إذا اعتبرت ما يذهب من الذهب في هذه الأغراض الفاسدة تجده قناطير مقنطرة لا يحصيها إلَّا اللَّه تعالى؛ فإنه لا بدَّ في كل منطقة أو طراز ونحوه من ذهاب شيء -وإن قلَّ جدًا- تأكله النار، وهو في الأبنية أكثر. فإذا ضممت ذلك القليل إلى قليل آخر على اختلاف في البقاع والأزمان لم يحصِ ما ضاعَ من القناطير المقنطرة من الذهب إِلَّا اللَّه تعالى. ثم القدر الذي يسلم ولا يضيع يصير محبوسًا عندهم أطرزة ومناطق وسلاسل وكنابيش (?) وسروجًا وغير ذلك من المحرمات المختلفة الأنواع. ولو كان مضروبًا سكة يتداوله المسلمون لانتفعوا به، ورخصت البضائع، وكثرت الأموال. ولكنهم احتجروا (?) وفعلوا هذه القبائح وطلبوا من اللَّه تعالى أن ينصرهم، ومِنَّا أن ندعو لهم. ولو أنهم اتَّقُوا اللَّه حقَّ تقاته لما افتقروا إلى دعائنا. وهذا نائب السلطنة في الشام الذي هو عندنا اليوم لا يلبس طرازًا من ذهب، ولا يفعل شيئًا من هذه المحرمات، واللَّه تعالى ينصره ويؤيِّده. وقد ناب في دمشق ثلاث مرات ولم يخرِج منها قط إِلَّا معززًا مكرمًا. أفترى ذلك سدًى! واللَّه لولا تقواه لما كان ذلك أبدًا. وقد طلبَ الملك المظفَّر سيف الدين قُطز شيخَ الإِسلام وسلطان العلماء عزّ الدين بن عبد السلام بحضرة الملك الظاهر بيبرس والملك المنصور قلاوون وغيرهما من الأمراء، وحادثه في الخروج إلى لقاء العدو من التتار، لمَّا دهموا البلاد ووصلوا إلى عين جالوت فقال له: اخرج وأنا أضمن لك على اللَّه النصر. فقال الملك: إنَّ المال في خزائني قليل، وأريد الاقتراض من التجار. فقال: إذا أحضرت أنت وجميع العسكر كل ما في بيوتكم وعلى نسائكم من الحلي الحرام، وضربته على السكة، وأنفقته في الجيش، وقصر عن القيام بكلفتهم أنا أسأل اللَّه تعالى لكم في إظهار كنز من كنوز الأرض يكفيكم ويفضل عنكم. وأمَّا أنكم تأخذون أموال المسلمين وتخرجون إلى لقاء العدو عليكم المحرمات من الأطرزة المزركشة، والمناطق المحرَّمة، وتطلبون من اللَّه النصر فهذا لا سبيل إليه. فوافقوه وأخرجوا ما عندهم. ففرَّقه، وكفى، وخرجوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015