نفسه باللائمة ويقولَ: أنا أذنبت ذنبين؛ لأني جاهل مرتكب هذا القبيح، فكيف أؤاخذ هذا الذي لم يذنب إلَّا ذنبًا واحدًا وهو هذا القبيح، فقد شاركني في ارتكاب الذنب وفارقني في أنَّه عالم وأنا جاهل، فأنا أنحس منه، لأنِّي صاحب ذنبين، وهو صاحب ذنب واحد. وبلغنا أن فقيهًا رُفع إلى بعض الأمراء وهو سكران فأخذ الأمير يجلده، والأمير أيضًا سكران، فلمَّا قام الفقيه قال: ربِّ اغفر لي، وجاء إلى القاضي وقال: أقم عليَّ الحدَّ، فإنَ الأمير فاسق لا تصح إقامته الحد. فأهلك اللَّه ذلك الأمير بعد أيّام يسيرة.
ومن قبائحهم استكثارهم الأرزاق -وإن قلَّت- على العلماء، واستقلالهم الأرزاق -وإن كثرت- على أنفسهم. ورأيت كثيرًا منهم يعيبون على بعض الفقهاء ركوب الخيل، ولبس الثياب الفاخرة. وهذه الطائفة من الأمراء يخشى عليها زوال النعمة عن قريب، فإنَّها تتبختر في أنعم اللَّه مع الجهل والمعصية. وتنقم على خاصة خَلْقه يسيرًا ممَّا هم فيه. أفما يخشون ربهم من فوقهم! ولو اعتبرَ واحد منهم رزق أكبر فقيه لوجده دون رزق أقلِّ مملوك عنده. أفما يستحي هذا الأمير المسكين من اللَّه تعالى! وإذا سلبه اللَّه تعافي نعمته فَلِمَ يتعجَّب ويبكي؟ أو مَا يدري أنَّ واحدة من هذه المصائب تهلكه وتدمِّره وما أحسن ما رأيته منقوشًا على دواة بعض الأمراء، وهو من نظمي، وأنا أمرت بأن يكتب:
حلَّفت من يكتب بي ... باللَّه ربِّ العالَمِ
ألا يمد مدَّة ... تؤلم قلب عالِمِ
ومن قبائحهم ما يذهِّبونه منِ الذهب في الأطرزة (?) العريضة والمناطق وغيرها من أنواع الزراكش التي حرَّمها اللَّه عزَّ وجلّ وزخرفة البيوت سقوفها وحيطانها بالذهب، وقد لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من ضيِّق سكة (?) المسلمين. وأنت