سرًا رجلًا مأمونًا ينهى عن المنكر بقدر ما نهى اللَّه ولا يزيد على ذلك. وما تفعله الولاة من إخراج القوم من بيوتهم، وإرعابهم وإزعاجهم وهتيكتهم، كل ذلك من تعدِّي حدود اللَّه تعالى، والظلم القبيح. وليس للوالي غير أن يجلدهم فقط بسوط معتدل بين القضيب (?) والعصا، لا رطب ولا يابس، ويفرِّق السياط على الأعضاء، ويتَّقي الوجه والمقاتل، ولا يتَّقي الرأس على الصحيح، وهو مذهب أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، وفيه وجه أنَّه يتقيه، وهو مذهب عليّ رضي اللَّه عنه؛ وبه قال أبو حنيفة: ولا يلقى على وجه ولا يُمد، ولا يُجرَّد عن ثيابه، بل عن مقدار ما يدفع وصول الألم؛ ويترك عليه قميص أو قميصان. ولا يُقام حد الخمر في السكر بل يؤخر حتى يفيق. فإن أقامه في السكر أخطأ ولم يعده إذا أفاق، نقله أبو حيّان التوحيدي عن القاضي أبي حامد. فإن سمعت بوال بلغه عن جماعة أنهم على منكر فأتى بخيله ورجله، وهتكَ ستر أناس سترهم اللَّه تعالى، ثم ضمَّ إلى ذلك أخذ مال منهم تسمّيه الولاة التأديب والجنايات، فاعلم أن صفقته خاسرة، ليتَ شعري آللَّه أمره بهذا حتى يعتمده مع خلقه! والذي يجب عليه التأديب هذا الوالي الذي يأخذ مال الناس من غير حلِّه. فإن ضمَّ إلى ذلك أن حد الخامل الفقير ولم يحد المتجوِّه الغني فقد ضمَّ ظلمًا إلى ظلم. فإن زادَ وأخرج القوم من بيوتهم وهتك حريمهم فقد باءَ بأقبح إثم؛ فإنَّ اللَّه تعالى لم يأمر بذلك. {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (?). ومن الولاة من يتجاوز في الضرب المقادير، ويتنوّع في إيصال الآلام لمن يعاقبه بمجرَّد التهمة والظن؛ أفما علم هذا الفاجر أن ضرب بريء أصعبُ عند اللَّه تعالى من تخلية ذي جريمة. وبعض من طبع اللَّه على قلبه من الولاة، يأمر بالرجل أن يجرَّد، فإذا شرع الجلّاد في ضربه قامَ الوالي للصلاة، وأطال -سمعت ذلك عن بعض ولاة القاهرة- فيستمرُّ المضروب تحت العِصِيّ والمقارع ما دامَ الوالي في الصلاة. فقبَّحه اللَّه، آللَّه أمره بهذا! وأي صلاة هذه!
ومن أحكام الولاة الفاسدة، أنه إذا رفع إليهم من أزال بكارة امرأة أمروه بزواجها، وكذلك إذا أحبلها: ظنًا منهم أن ذلك خير ممن ضياع الولد بلا