ذلك، لاسيّما إذا اشتبكت الأمور، وازدحمت الأشغال. فعلى كاتب السرّ التلطُّف في ذلك بحيث تصل إلى ذهن الملك. وإلَّا فمتى ظلم الملك واحدًا في واقعة لعدم فهمه، وكان كاتب السر هو الذي قرأَ عليه القصة فيها كان شريكًا له أو مستبدًا عنه بالظلم. ومن حقه أن يكتم ما أسِرّ إليه كما قال الشاعر:
ويُكاتم الأسرارَ حتى إنه ... ليصونها عن أن تمرُّ بخاطره
وأن يحترز من الكتابة في قطعِ الأرزاق؛ فقلَّما أفلحَ كاتبه. وما أحسن ما نقشه بعض كُتّاب السرّ على دواته فقال:
حلَّفت من يكتب بي ... بالواحدِ الفردِ الصمدِ
إلَّا يَمُدَّ مدةً ... في قطعِ رزقٍ لأحدِ
الموقّعُون (?): وعليهم الرفقُ بالرعيَّة فيما يكتبونه، والتخفيف من التشديدات التي يُؤمَرون بكتابتها، ولا يسوغُ الأمر بها. فإن كان لا يقدر على التخفيف فلا أقل من ألَّا يزيد الطين بِلَّة وشمدد فلقد بلغني أنَّ بعض الملوك قال لموقِّع: اكتب إلى فلان بالحضورَ. فأبرقَ في الكتابة وأرعد، وقعقع في العبارة. فلمَّا وصل إليه الكتاب أرعده ذلك بحيث وضعت امرأته وكانت حاملًا، وأرمَى هو مصارينه من الخوف. ولذلك قال فيهم بعض الشعراء:
قومٌ إذا أخذوا الأقلامَ من غضبٍ ... ثم استمدُّوا بها ماء المنيّات
قالوا بها من أعاديهم وإن بعُدوا ... ما لا يُنال بحدِّ المشرفيّات (?)
ومن حقِّه ألَّا يستعمل وحشيّ اللغة ولا ما لا يفهمه الأكثر من الناس لاسيّما إذا كتب إلى من يبعد فهمه لذلك.