الخير ممَّن تقدمه عليهم، فهو بلاء على بلاء. فإنَّ من حقه أن ينظر في مصالحهم وأوقافهم، وألَّا يكلهم إليها. بل يرزقهم من بيت المال ما تتم به الكفاية. فإذا تعرَّض لها فقد خرق حجاب الهيبة. فإن ضمَّ إلى ذلك أنَّه يبيعها بالبِرْطيل، ويضعها في غير مستحِقّها فما يكون جزاؤه!
ومن وظائفه بيت مال المسلمين. وقد قدَّر الشارع المصارف فيه، وجعل لكلّ مال أقوامًا وقدرًا. فإن تعدَّى هذا كله، وصرفه في شهواته ولذَّاته، وحسب أن المُلك عبارة عن ذلك، فلا يلوم إلَّا نفسه. وإذا جاء سهم رباني لا يستوحش؛ فإن أخذ يصرف الأموال على خواصّه ومن يريد استمالة قلوبهم إليه لبقاء ملكه، لا لإِعزاز الدين، وأعجبه مدائح الشعراء لكرمه، فذلك خُرْقٌ وقد امتلأت التواريخ ممَّن كان يهب الألوف للشعراء، والألوف للمماليك، والألوف للمغاني (?) وكل ذلك وبال على صاحبه فقد كان بيت المال في زمن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أضعاف ما هو اليوم بما لا يحصى كثرة، وفتح اللَّه عليه من الفتوحات ما أمره مشهور، وجاءه مع ذلك أعرابيّ يستمنحه فقال:
يا عمرَ الخيرِ جُزيتَ الجنّة ... اكسُ بُنيَّاتي وأمّهنّه
وكن لنا من الزمان جُنَّه ... أُقسِم باللَّه لتفعلنَّه
فلم يرتح لترققه، ولا راعه قسمه عليه؛ بل قال: فإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال:
* إذن أبا حفص لأذهَبَنَّه *
فقال: وإذا ذهبت يكون ماذا؟ فقال:
يكون عن حالي لتسألنَّه ... يوم تكون الأعطيات هنَّه
وموقف المسؤول بينهنَّه ... إمَّا إلى نارٍ وإمَّا جنَّه
فلمَّا ذكر له الجنة والنار، والموقف بين يديّ المولى الجبار، بكى حتى