فقال أبو عمرو: إنك لألكن الفهم، إذا صيرت الوعيد الذي في أعظم شيء مثله في أصغر شيء، فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء، إنما نهى الله تعالى عنهما لتتم حجته على خلقه ولئلا يعدل عن أمره.
ووراء وعيده عفوه وكرمه ثم أنشد1:
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختتي من صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي
قال عمرو صدقت:
وقد يمتدح العرب بالوفاء بهما كقولهم، لا يخلف الوعد والوعيد، ولا يبيت من ثأره على فوت.
فقد وافق هذا قول الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} [الأعراف: 44] فقال أبو عمرو: قد وافق الأول إخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم، والحديث يفسر القرآن، وقال الأصمعي: كنت إذا رأيت أبا عمرو يتكلم ظننته لا يعرف شيئا، كان يتكلم كلاما سهلا, وكان له كل يوم بفلس كوز، وبفلس ريحان، فيشرب بالكوز يوما ويهبه.
ويأمر الجارية فتدق الريحان إذا جف في الأشنان2.
وقال أبو عبيدة: كانت دفاتر أبي عمرو ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها، وكان من أشراف العرب ووجوههم.
وقال الأصمعي: قال أبو عمرو: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول، نخل طوال.