وجلس في حانوت تاجرا، ثم أقبل على العربية فأحكمها، وقدم دمشق بعد ستة أعوام، وتصدى لإقراء القراءات والنحو، وقصده القراء والمشتغلون، وظهرت فضائله وبهرت معارفه، وبعد صيته.

ثم إنه أقرأ لأبي عمرو بإدغام: "وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا"، والتزم إخراجه من القصيد، وصمم على ذلك، مع اعترافه بأنه لم يقرأ به.

وقال: أنا قد أذن لي أن أقرأ بما في القصيد، وهذا يخرج منها، فقام عليه شيخنا مجد الدين والشيخ كمال الدين بن الزملكاني، وغيرهما، فطلبه قاضي القضاة بحضورهم وراجعوه وباحثوه، فلم ينته.

فمنعه الحاكم من الإقراء به, وأمره بموافقة الجمهور، فتألم وامتنع من الإقراء جملة، ثم إنه استخار الله تعالى، واستأذن الحاكم في الإقراء بالجامع.

وجلس للإفادة، وازدحم عليه المقرءون، وأخذوا عنه القراءات والعربية، وله ملك يقوم بمصالحه، ولم يتناول من الجهات درهما إلى الآن، ولا طلب جهة مع كمال أهليته.

توفي خامس ذي الحجة, سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة1.

5- أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة، الإمام العلامة المقرئ، الفقيه الأصولي النحوي، شهاب الدين المقدسى الحنبلي الصالحي.

ولد سنة سبع وأربعين وستمائة، وسمع الحديث من خطيب مردا، وابن عبد الدائم وجماعة، وسافر بعد الثمانين وستمائة، فقرأ القراءات على الشيخ حسن الراشدي، وصحبه إلى أن مات.

وقرأ الأصول على شهاب الدين القرافي، والعربية على الشيخ بهاء الدين بن النحاس، وبرع في ذلك وصنف شرحا كبيرا للشاطبية، حشاه بالاحتمالات البعيدة وشرحا للرائية.

وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين، فأقرأ بها القراءات، ثم تحول إلى حلب، فأقرأ بها ثم استوطن بيت المقدس، وتصدر لإقراء القرآن والعربية وهو صالح متعفف خشن العيش، جم الفضائل ماهر بالقرآن، في لسانه تمتمة.

توفى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، بالقدس الشريف رحمه الله حكيته من النشر لابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015