وكانت الكتب الأولى من العاميات لا تلتفت الى ما فيها من دخيل، ولكن سرعان ما جذب الانتباه. فأفرد ابن قتيبة له بابا في أدب الكاتب. ثم ظهر هذا الأمر ثانية في القرن التاسع عشر حين اشتد أخذ المشارقة من اللغات الأوربية. ولذلك كانت الألفاظ الدخيلة في الكتب الأولى فارسية ثم تركية، وصارت في العهد الأخير من كل جنس ولغة. وأعظم من عني بهذه الناحية رشيد عطية والدكتور أحمد عيسى والقس طوبيا.
ونالت أربعة كتب منها اعجاب اللغويين، فدارت حولها دراسات ضخمة، ما بين شرح واختصار وتهذيب وترتيب وتكملة ونقد ودفاع ونظم وشرح للنظم، هذه الكتب هي اصلاح ابن السكيت، وأدب ابن قتيبة، وفصيح ثعلب، ودرة الحريري.
ونستبين من هذه الجولة أن العامية المصرية وجدت في القرون الأربعة الأخيرة من يعنى بها، ويؤلف عنها. ذكرت أسماء ثلاثة فعلوا ذلك، هم يوسف بن زكريا المغربي المتوفي 1019، وابن أبي السرور البكري ثم السيد وفا القوني. ويمكن أن أضيف اليهم محب الدين أبا الفيض السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (1145 - 1205) الذي أضاف شيئا من ألفاظ العامية المصرية الى معجمه «تاج العروس من جواهر القاموس».
ولم ترم هذه الكتب الى النقد والتسفيه بل الى التسجيل واكتشاف الروابط بين العامية والفصحى، فقصدت الى تسجيل اللفظ العامي، ومعناه، وأصله الفصيح ان كان عربيا أصيلا. يقول المغربي: «مقصد الفقير يوسف المغربي أن .. يهذب ما يقع من عوام أهل مصر بأن يرجعه للصواب ... وليس المراد أن جميع ما صدر من الناس أصححه، وانما ما قبل الصحة نبينه، وما لا يقبل أصرح بعدم قبوله». ولما كان القول المقتضب تلخيصا لرفع الاصر، فقد اقتصر البكري على النوع الأول من الألفاظ، وقال: «لم أذكر فيه الا كل لفظ له أصل في اللغة العربية، والناطق بها أهل الديار المصرية». ولكن ناقده يوسف الملوى الشهير بابن الوكيل عابه على هذا واستدركه عليه وقال: «لم يثبت في كتابه الا ما له أصل في كتب اللغة خوفا من الاسهاب. ورأيت ذلك أخل بالمقصود من وضع الأصل، وأن ما أتى به لا فائدة فيه، لوجوده في كتب اللغة المشهورة عن أهل الفضل. فأحببت أن أضم له ما تفرد به أهل مصر من اللغة التي لا يستعملها أحد من الأمم سواهم، كما فعله صاحب الأصل، وتوجيه ما استعملوه مما لم يوجد في نقل».