واتبع المغربي والبكري ترتيب القاموسي المحيط .. للفيروز أبادي فجردا الكلمة من حروفها الزوائد ثم رتباها على الأصول وحدها. فنظرا الى الحرف الأخير أولا وجعلاه الباب، ثم نظرا الى الحرف الأول وجعلاه الفصل، ثم رتبا الحشو الذي اختل عليهما كثيرا. قال المغربي: «يرتب هذا الكتاب على أبهج ترتيب ... وهو على حروف الهجاء كالقاموس مع تسامح في الأصلي والزائد». وقال البكري: «مرتباً ذلك على ترتيب القاموس كأصله». وعدل القوني عن هذا النظام الى النظام المألوف، الذي ينظر الى الكلمة مبتدئاً بالحرف الأصلي الأول فالثاني فالثالث .. الى آخر أصولها ولكن يعيبه اضطراب الترتيب في بعض المواضع، والحاقه ما نسيه في فصل الألف والباء من الكلمات بعد انتهاء فصل الباء، واعتداده بهمزة المتكلم في الترتيب كأنما هي حرف أصيل من الكلمة.
وأطال المغربي في علاجه للألفاظ، حتى قال عنه مؤلفه: «مشتملا على شفاء الصدور، وبهجة النفوس، من أشعار فائقة، ولطائف رائعة، وما سمعته من العلماء، واجتليته من شموس أفهام الفهماء، أو ظفرت به في الكتب، أو سمحت به الفكرة مما يرسم بالذهب ... بل لا يخلو من الفوائد التفسيرية، والفرائد الحديثية، وكثير من العلوم على كثرة تفننها». وقد أشاد ابن الوكيل بهذه الظاهرة فيه، ورأى أن ذلك «يشهد لصاحبه بطول اليد في اللغات، واستكماله من العلوم لسائر الأدوات». ولكن البكري عاب هذه الآطالة، ومن أجل التخلص منها ألف كتابه، قال: «أسهب فيه غاية الاسهاب، باستطراده في بعض الألفاظ اللغوية التي ليست من شرط الكتاب مع ذكره أشعارا وحكايات من قسم الاستطراد، اذ لا معنى لها في هذا التصنيف، ولا مدخل لها في هذا التأليف. فخطر لي أن ألخص من محاسنه». والظاهرة الواضحة في كتاب القوني الاحتفال بالأمثال العامية، وعدم التحرج من التفسير بعبارة عامية أحيانا.
ويعيب رفع الاصر والقول المقتضب عدم ضبط كثير من الألفاظ التي أورداها وفسراها. كما يعيب القول المقتضب اهتمامه بالمعاني الفصيحة فقد كان يذكر اللفظ ثم يعدد معانيه في العربية الفصحى لا العامية. وبرئت التحفة من هذين العيبين فقد ضبطت ما ضمت من ألفاظ، وجعلت وكدها المعاني العامية لا الفصيحة.
وتصل بنا هذه الجولة المتشعبة الى هدفنا الذي كنا نمهد له، وهو هذا الكتاب، الذي ألفه واحد من أعلام العربية في العصر الحديث، اقتنى مكتبة من أكبر المكتبات الخاصة بمصر - ان لم تكن بالعالم العربي - وأثراها