وكم عسر أعاد الله يسرا ... يفرّج همّ ذي قلب شجيّ
وقيل إنه كان ذا ثروة، وكان في داره بستان وبئر، وكان إذا قصده إنسان من الغرباء إن كان ذا ثروة طمع في ماله، وإن كان فقيرا أمره بنزح الماء لبستانه حتى يقيده، وكان لا يفعل بأهل بلده ذلك.
- 348-
أخذ عن الربعي والسيرافي، وأخذ عنه أبو زكريا التبريزي، مات في سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وكان من أصحاب الرماني، وكان سيّء الحال قشفا محالفا للفقر. وذكروا أنه كان يوما جالسا لأصحابه وعليه ثوب خلق تبدو منه عورته فقال له بعض أصحابه مشيرا إلى ذلك العضو: أيها الشيخ غرمولك، أي استر ذكرك، فتجمع الدهان ثم استرسل فبدا العضو، فقال له ذاك الرجل: أيها الشيخ قمدّك، فعاد وتجمع مستترا ثم مرّ في الإقراء وعاد مسترسلا، فبدا العضو فقال له: أيها الشيخ قهبلسك، وجرى معه في هذا الميدان من التنبيه على الاستتار بذكر الغريب من أسماء الذكر، فأقبل عليه الشيخ الدهان متضجرا وقال له: ويلك ما أتقنت من الغريب إلا حفظ أسماء هذا المردريك؟! فتضاحك الجماعة من قوله وانقطع المجلس.
قال المصنف: هذه حكاية مشهورة صحيحة عن هذا الصدر الذي يتعذر أن يكون في زماننا مثله، وقد كان يقصد وتقرأ عليه علوم الأدب، وأهل زماننا يذمون زمانهم، ولم يكن له ثوب يواريه، ولا في تلاميذه ذو أريحية يواسيه، فضلا عن أن يفضل عليه ويبره. ولكن ذم الناس لزمانهم لقلة رضاهم بأرزاقهم وأن كلّ أحد يرجو الغاية لا الكفاية، ويرى أنه مستحق للملك، لا لما يمشّي أمره في دار الهلك، والله المستعان.