ربّ عجّل خرابها وأرحني ... من حذاري فقد مللت الحذارا

وتحدث أبو الحسين هلال بن المحسن قال: حدث القاضي أبو بكر ابن محمد بن عبد الرحمن بن قريعة [1] قال: كنت مع الوزير أبي محمد المهلبي بالأهواز فاتفق أن حضرت عنده في يوم من شهر رمضان، والزمان صائف والحرّ شديد، ونحن في مجلس بارد، فسمع صوت رجل ينادي على الناطف فقال: أما تسمع أيهذا [2] القاضي صوت هذا البائس في مثل هذا الوقت، والشمس على رأسه وحرّها تحت قدمه، ونحن نقاسي في مكاننا هذا البارد ما نقاسيه من الحر؟! وأمر بإحضاره فأحضر، فرآه شيخا ضعيفا عليه قميص رثّ، وهو بغير سراويل، وفي رجله تاسومة مخلقة، وعلى رأسه مئزر، ومعه نبيخة فيها ناطف لا يساوي خمسة دراهم، فقال له: ألم يكن لك أيها الشيخ في طرفي النهار مندوحة عن مثل هذا الوقت؟! فتنفس وقال: ما أهون على الراقد سهر الساهد، وقال:

ما كنت بائع ناطف فيما مضى ... لكن قضت لي ذاك أسباب القضا

وإذا المعيل تعذّرت طلباته ... رام المعاش ولو على جمر الغضا

فقال له الوزير: أراك متأدّبا فمن أين لك ذلك؟ فقال: إني أيها الوزير من أهل بيت لم يكن فيهم من صناعته ما ترى، وأسرّ إليه أنه من ولد معن بن زائدة، فأعطاه مائة دينار وخمسة أثواب، وجعل ذلك رسما له في كلّ سنة.

وحدث القاضي أبو علي التنوخي قال [3] : شاهدت أبا محمد المهلبي وقد ابتيع له في ثلاثة أيام ورد بألف دينار فرش به مجالسه [4] وطرحه [5] في بركة عظيمة كانت في داره، ولها فوّارات عجيبة يطرح ورق الورد في مائها وتنفضه، وبعد شربه عليه وبلوغه ما أراده منه أنهبه.

ولأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج يرثي أبا محمد:

يا معشر الشعراء دعوة موجع ... لا يرتجى فرح السلوّ لديه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015