صعد يوما من طيّاره إلى داره وقد حقنه البول وما كان يعتريه من سلسه، فقصد بعض الأخلية فوجده مقفلا، وكذلك كانت عادته جارية في أخلية داره حفاظا لها عن الابتذال، فأبى أن يدعو الفرّاش ويحضر فقال لي متنادرا على نفسه:

فهبك طعامك استوثقت منه ... فما بال الكنيف عليه قفل

فقلت: لعمري إنه موضع عجب، وإذا وقع الإحتياط في الأصل فقد استغني عنه في الفرع، فضحك وقال: أوسعتنا هجاء، فقلت: وجدت مقالا، فقال:

اسكت يا فاعل يا صانع.

قال أبو إسحاق: وأجلسني معز الدولة لأكتب بين يديه، وأبو محمد المهلبي قائم فحجبني عن الشمس، فقال: كيف ترى هذا الظل؟ فقلت: ثخين، فقال وا عجبا أحسن وتسيء، وضحك.

ومن شعر المهلبي [1] :

يا هلالا يبدو فيزداد شوقي [2] ... وهزارا يشدو فيزداد عشقي

زعم الناس أن رقّك ملكي ... كذب الناس أنت مالك رقّي

وحدث أبو محمد المهلبي قال: كنت أيام حداثتي وقصر حالي وصغر تصرّفي أسكن دارا لطيفة، ونفسي مع ذلك تنازع في الأمور العظيمة، إلا أن الجد قاعد والمقدور غير مساعد، فأصبحت يوما وقد جاء المطر، وازدادت الحجرة إظلاما وصدري بها ضيقا، فقلت:

أنا في حجرة تجلّ عن الوصف ... ويعمى البصير فيها نهارا

هي في الصبح كالظلام وفي ... الليل يولّي الأنام عنها فرارا

أنا منها كأنني جوف بئر ... أتقي عقربا وأحذر فارا

وإذا ما الرياح هبّت رخاء ... خلت حيطانها تميد انتشارا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015