بأبي من إذا أراد سراري ... عبّرت لي أنفاسه عن عبير
وسباني ثغر كدرّ نظيم ... تحته منطق كدرّ نثير
وله طلعة كنيل الأماني ... أو كشعر المهلبيّ الوزير
وقال ابن الحجاج في ضد ذلك:
قيل إن الوزير قد قال شعرا ... يجمع الجهل شمله ويضمّه
ثم أخفاه فهو كالهرّ يخرا ... في زوايا البيوت ثم يطمّه
ليتني كنت حاضرا حين يروي ... هـ فأفسو في راحتي وأشمّه
قال [الثعالبي] [1] : وحدثني أبو بكر الخوارزمي وأبو نصر ابن سهل بن المرزبان وأبو الحسن المصيصي، دخل حديث بعضهم في بعض فزاد ونقص، قالوا: كانت حال المهلبي قبل الاتصال بالسلطان حال ضعف وقلّة، وكان يقاسي منها قذى عينه وشجى صدره، فبينا هو ذات يوم في بعض أسفاره مع رفيق له [2] من أصحاب الحراب والمحراب، إلا أنه من أهل الأدب، إذا لقي من سفره نصبا واشتهى اللحم فلم يقدر على ثمنه، فقال ارتجالا:
ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه
إذا أبصرت قبرا من بعيد ... وددت لو آنني فيما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حرّ ... تصدّق بالوفاة على أخيه
فاشترى له رفيقه بدرهم واحد ما سكّن قرمه، وتحفّظ الأبيات وتفارقا؛ وضرب الدهر ضربانه حتى ترقّت حال المهلبي إلى أعظم درجة من الوزارة فقال:
رقّ الزمان لفاقتي ... ورثى لطول تحرقي
فأنالني ما أرتجي ... وأفاتني ما أتقي