على ظلمات، لو أطفأ أدام الله علوّه بعض لهبه، وسكّن نائرة غضبه، ثم عاد إليه متصفحا لألفاظه ومعانيه، متفحّصا عن مقاطعه ومبانيه، لما ارتضى ذلك من دينه وعقله، ولما استحسنه من كرمه وفضله. إلا أني أعذره فيما قال، قصر كلامه أو طال، لعلمي أنه أدام الله علوّه مسلوب مغلوب، جريح أسنّة القهر، طريح صدمات الدهر، عضّته أنياب النوائب، وخدشته أظفار المصائب. نهبت كتبه وأمواله، وغصبت رحاله وأثقاله، وطالب الثأر يقصد كلّ راجل وفارس، وصاحب الضالّة يتّهم كل قائم وجالس. ولقد علم سيدنا- أدام الله علوه- أن وقعة مرو عمرها الله كانت واقعة عامّة شملت كلّ جبهة وحافر، وطبقت كلّ صائح وصافر، وكان قد لحقت في ذلك الوقت بعسكر خوارزمشاه من طبقات الناس أوزاع وأخياف، ومن حشرات [1] الأرض أنواع وأصناف، قصارى همّهم القتل والإغارة، ومنتهى أربهم الإحراق والإبارة، وأوباش مرو أيضا كانوا يخرجون من مكامنهم في الليالي، ويتعرضون لبيوت السادات والموالي، فليس بمستبعد أن يكون قد ظفر بكتبه من أولئك الأقوام أحد لا يعرف شانه، ولا يعلم مكانه. أما أنا فالله تعالى يعلم- وقد خاب من استشهده باطلا- أني ما فتحت للإغارة بابا، ولا نهبت كتابا [2] ، بل ذهبت يوما على مقتضى إشارته الكريمة لأحمل كتبه إلى المعسكر [3] ، فلما دخلت داره الرفيعة، ورأيت كتبا كثيرة فوق ما يحيط به عدّ، أو يشتمل عليه حدّ، فقلت: نقل هذه أمر مشكل، وحمل هذه خطب معضل، فتركتها بحالتها [4] في أماكنها، وخليتها برمتها في معادنها، وخرجت كما دخلت خالي الحقائب، فارغ الزكائب. فإن كنت غصبت [5] يوم وقعة مرو أو قبلها أو بعدها من كتبه- أدام الله علوه- كتابا أو جزءا أو دفترا [6] ، أو من سائر أمواله شيئا صغر أو جل، كثر أو قلّ، أو رضيت أن يغصبه أحد من أتباعي والمنتمين إليّ، أو عرفت غاصبا غصبه، أو ناهبا نهبه، فأخفيت ذلك عنه، أو كتمته منه، فأنا بريء من الله وهو بريء مني، وإن كنت فعلت بنفسي شيئا مما ذكرت، أو رضيت أن يفعله أحد من