يلقب بالقاضي المهذب، مات في ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر، وكان كاتبا مليح الخطّ، فصيحا جيد العبارة، وكان أشعر من أخيه الرشيد، وكان قد اختص بالصالح ابن رزيك وزير المصريين، وقيل إن أكثر الشعر الذي في ديوان الصالح إنما هو عمل المهذب ابن الزبير، وحصل له من الصالح مال جمّ، ولم ينفق عنده أحد مثله. وكان القاضي عبد العزيز بن الجباب «1» المعروف بالجليس هو الذي قرّظه عند الصالح حتى قدمه، فلما مات الجليس شمت به ابن الزبير، ولبس في جنازته ثيابا مذهبة، فنقص عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله، ولم يعش بعد الجليس إلا شهرا واحدا.
وصنف المهذب «كتاب الأنساب» وهو كتاب كبير أكثر من عشرين مجلّدا، كل مجلد عشرون كراسا، رأيت بعضه فوجدته مع تحقّقي هذا العلم وبحثي عن كتبه غاية في معناه لا مزيد عليه يدلّ على جودة قريحة مؤلفه وكثرة اطلاعه، إلا أنه حذا فيه حذو أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، وأوجز في بعض أخباره عن البلاذري، إلا أنه إذا ذكر رجلا ممن يقتضي الكتاب ذكره لا يتركه حتى يعرّفه بجهده مع إيراد شيء من شعره وخبره. وكان المهذب قد مضى إلى بلاد اليمن في رسالة من بعض ملوك مصر، واجتهد هناك في تحصيل كتب النسب، وجمع منها ما لم يجتمع عند أحد حتى صحّ له تأليف هذا الكتاب.
وكان أخوه الرشيد لما مضى إلى اليمن وادّعى الخلافة- كما ذكرناه في ترجمته- نمي خبره إلى المعروف بالداعي، فقبض عليه قبضا لا نعلم كيفيته وهمّ بقتله، فكتب المهذّب هذا إلى الداعي بقصيدته المشهورة يمدحه ويستعطفه حتى أطلقه، والقصيدة «2» :
يا ربع أين ترى الأحبّة يمموا ... هل أنجدوا من بعدنا أم أتهموا