قال ابن الفرات: سله يا أبا سعيد عن مسألة أخرى، فإن هذا كلما توالى عليه بان انقطاعه، وانخفض ارتفاعه في المنطق الذي ينصره والحق الذي لا يبصره «1» .
قال أبو سعيد: ما تقول في رجل قال: لهذا عليّ درهم غير قيراط، ولهذا الآخر عليّ درهم غير قيراط؟ قال متى: ما لي علم بهذا النمط. قال: لست نازعا عنك حتى يصحّ عند الحاضرين أنك صاحب مخرقة وزرق، ها هنا ما هو أخفّ من هذا: قال رجل لصاحبه: بكم الثوبان المصبوغان؟ وقال آخر: بكم ثوبان مصبوغان؟ وقال آخر: بكم ثوبان مصبوغين؟ بيّن هذه المعاني التي تضمنها لفظ لفظ. قال متى: لو نثرت أنا أيضا عليك من مسائل المنطق شيئا لكان حالك كحالي.
قال أبو سعيد: أخطأت لأنك إذا سألتني عن شيء أنظر فيه، فإن كان له علاقة بالمعنى وصحّ لفظه على العادة الجارية أجبت، ثم لا أبالي أن يكون موافقا أو مخالفا، وإن كان غير متعلّق بالمعنى رددته عليك، وإن كان متصلا باللفظ ولكن على موضع لكم في الفساد- على ما حشوتم به كتبكم- رددته أيضا، لأنه لا سبيل إلى إحداث لغة مقررة بين أهلها. ما وجدنا لكم إلا ما استعرتم من لغة العرب كالسلب والإيجاب، والموضوع والمحمول، والكون والفساد، والمهمل والمحصور «2» ، وأمثلة لا تنفع ولا تجدي، وهي إلى العيّ أقرب وفي الفهاهة أذهب، ثم أنتم هؤلاء في منطقكم على نقص ظاهر لأنكم لا تفون بالكتب ولا هي مشروحة، وتدعون الشعر ولا تعرفونه، وتدعون الخطابة وأنتم عنها في منقطع التراب، وقد سمعت قائلكم يقول: الحاجة ماسّة إلى كتاب البرهان، فإن كان كما قال فلم قطع الزمان بما قبله من الكتب؟ وإن كانت الحاجة قد مسّت إلى ما قبل البرهان فهي أيضا ماسة إلى ما بعد البرهان، وإلا فلم صنّف ما لا يحتاج إليه ويستغنى عنه؟ هذا كله تخليط وزرق وتهويل ورعد وبرق، وإنما بودكم أن تشغلوا جاهلا وتستذلّوا عزيزا، وغايتكم أن تهولوا بالجنس والنوع والخاصة والفصل والعرض والشخص، وتقولوا: الهلّية والأينية والماهية والكيفية