الدائر من حوبائها، سلاحها عتيد، وبأسها شديد، ومضرّتها تعديد، وتدبّ على ست وتطير، فسبحان من خلقها خلقا عجيبا، وجعل لها من كلّ ثمر وشجر نصيبا، وجعل لها إدبارا وإقبالا، وطلبا واحتيالا، حتى دبّت ودرجت، وخرجت ودخلت، ونزلت وعرجت، مع المنظر الأنيق، والعصب الدقيق، والبدن الرقيق: هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه

(لقمان: 11) ثم قال: وماذا تقولون في طير إذا طار بسط، وإذا دنا من الأرض لطع، رجلاه كالمنشار، وعيناه كالزجاج، عينه في جنبه، ورجله أطول من قامته، ألا وهي الجرادة. ثم قال: وأحسن منه: جيدها كجيد البقر، ورأسها كرأس الفرس، وقرنها كقرن الوعل، ورجلها كرجل الجمل، وبطنها كبطن الحية، تطير بأربعة أجنحة، وتأكل بلسانها، فتبارك الله ما أحسنها.

وأحسن ما فيها أنها طعام ونقل، طاهر حيا وميتا، تجدب أقواما وتخصب آخرين.

فقلنا له: ما معنى قولك: «تجدب أقواما وتخصب آخرين» ؟ قال: إنها إذا حلت البوادي والفيافي ومواضع الرمال فهي خصب لهم وميرة، وإذا حلت بمأوى الزرع والأشجار فهي تجدب، لأنها تأتي على الشوك والشجر والرطب واليابس فلا تبقي ولا تذر.

قال: وقال أيضا في تضاعيف كلامه: خادم الملك لا يتقدم في رضاه خطوة إلا استفاد بها قدمة وحظوة.

قال: وما رأيت أحدا من المشايخ كان أذكر لحال الشباب وأكثر تأسّفا على ذهابه منه، فإنه إذا رأى أحدا من أقرانه قد عاجله الشيب تسلّى به، ولم يزل يسأله عن حاله [كيف] كانت في أيام الشباب وزمن الصبا، وإذا ذكر بين يديه ما يتعلّق بالشيب والشباب بكى وجدا وحنّ، وشكا وأنّ، وتذكر عهد الشباب. وكان كثيرا ما ينشد مقطعات محمود الوراق في الشيب ويبكي عليها، وأنشد يوما:

فإن يكن المشيب طرا علينا ... وولّى بالبشاشة والشباب

فإني لا أعاقبه بشيء ... يكون عليّ أهون من خضاب

رأيت بأنّ ذاك وذا عذاب ... فينتقم العذاب من العذاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015