معي، وهو الآن لائذ بابن الخمار، وربما شاهد أبا سليمان المنطقي، وليس له فراغ لكنه محسّ في هذا الوقت للحسرة التي لحقته مما فاته من قبل، فقال: يا عجبا لرجل صحب ابن العميد أبا الفضل ورأى ما عنده، وهذا حظه، قلت: قد كان هذا، ولكنه كان مشغولا بطلب الكيمياء مع أبي الطيب الكيميائي الرازي، مملوك الهمة في طلبه والحرص على إصابته، مفتونا بكتب أبي زكريا وجابر بن حيان، ومع هذا كان إليه خدمة صاحبه في خزانة كتبه، هذا مع تقطيع الوقت في الحاجات الضرورية والشهوية، والعمر قصير، والساعات طائرة، والحركات دائمة، والفرص بروق تأتلق، والأوطار في عرضها تجتمع وتفترق، والنفوس على فوائتها تذوب وتحترق. ولقد قطن العامريّ الريّ خمس سنين ودرّس وأملى وصنّف وروى فما أخذ عنه مسكويه كلمة واحدة، ولا وعى مسألة، حتى كأنه كان بينه وبينه سد، ولقد تجرّع على هذا التواني الصاب والعلقم، ومضغ بفمه «1» حنظل الندامة في نفسه، وسمع بأذنه قوارع الملامة من أصدقائه حين لم ينفع ذلك كله، وبعد هذا فهو ذكيّ، حسن الشعر، نقيّ اللفظ، وإن بقي عساه أن يتوسّط هذا الحديث، وما أرى ذلك مع كلفه بالكيمياء، وإنفاق زمانه وكدّ بدنه وقلبه في خدمة السلطان، واحتراقه في البخل بالدانق والقيراط والكسرة والخرقة، نعوذ بالله من مدح الجود باللسان، وإيثار الشحّ بالفعل، وتمجيد الكرم بالقول ومفارقته بالعمل.
قال أبو منصور الثعالبي «2» : كان في الذروة العليا من الفضل والأدب والبلاغة والشعر، وكان في ريعان شبابه متصلا بابن العميد مختصّا به، وفيه يقول:
لا يعجبنّك حسن القصر تنزله ... فضيلة الشمس ليست في منازلها
لو زيدت الشمس في أبراجها مائة ... ما زاد ذلك شيئا في فضائلها
ثم تنقلت به أحوال جليلة في خدمة بني بويه والاختصاص ببهاء الدولة، وعظم شأنه وارتفع مقداره، فترفع عن خدمة الصاحب ولم ير نفسه دونه، ولم يخل من نوائب الدهر حتى قال ما هو متنازع بينه وبين نفر من الفضلاء: