ش: ويلك! ما عندك غير الاستحسان.
ي: ماذا أصنع- إذن- يا مولانا؟.
ش: تصنع هكذا (يرقص ويصفق إلى أن يتعب) ثم يقول: لقد ابتليت ببهائم لا يفرقون بين الدر والبعر، والياقوت والحجر.
ي: معذرة يا مولانا، إن رأيت أن تنشدني شيئا آخر.
ش: قد صنعت كتابا في مدح صلاح الدين مبنيا على تجنيس كتجنيس البستي، اسمع (ينشده ... ) .
ي: ما رأي مولانا في المعري.
ش: كم تسيء الأدب يا هذا بين يدي؟! من ذلك الكلب الأعمى حتى يذكر بين يدي في مجلسي؟!.
ي: ما أراك يا مولانا ترضى عن أحد ممن تقدّم.
ش: كيف أرضى عنهم وليس لهم ما يرضيني؟.
ي: ما فيهم أحد قط جاء بما يرضيك؟.
ش: لا أستثني إلا المتنبي في مديحه، وابن نباتة في خطبه، وابن الحريري في مقاماته. هؤلاء لم يقصروا.
استمر الحوار غير المتكافىء بين الشيخ والفتى، وكان ذلك التصرف الشاذ من الشيخ، والتحقير للأوائل، ودوران اللسان بالشتائم، واستعمال لغة التعالي- كل تلك كانت حرية أن تؤثر في نفس ياقوت، ولكن يبدو أن ما سمعه عن الرجل قبل أن يلقاه قد جعله مهيأ النفس لتقبل ما يسمع على أنه مداعبة خشنة، لكنها طريفة، وأن الرجل مهووس يعاني «مرض العظمة» ، وأنه حقيق ألا يأخذه مأخذ الجدّ، ومن بعد أكد له ناس لقيهم أن الفصل الذي مثله أمامه الحلي لم يكن يختلف عن فصول أخرى تدلّ على انزياح عقله عن محوره. ولعله حمل بعض تخليطه على كبر السنّ وما يلابسه من خرف، ولو أن ياقوتا أحسّ بالصدمة من ذلك اللقاء لصرفه ذلك عن الأدب وعن لقاء الأدباء، ولكنه سيلقى كثيرين من العقلاء من بعد يؤكدون له أن الحلي لم يكن إلا شذوذا على قاعدة عريضة. ترى هل كان سعيه للقاء الحلّي يعني أنه كان قد قرر أن