أبدا أميل إليك ميل تذلل ... وتصدّ صدّ تجنّب ودلال
حتف المتّيم منك يوم قطيعة ... وحياته في الحبّ يوم وصال
قد كدت أغرق في بحار مدامعي ... لولا التمسّك فيك بالآمال
عذبت مراشفه وصال بقدّه ... فحمى جنى المعسول بالعسال
عهدي وظلّ الوصل غير مقلّص ... عنا وعمر المطل غير مطال
وكأنما لبس الزمان سناء بد ... ر الدين ذي الإنعام والافضال
خضر الجناب فإن دجت في أزمة ... سود الخطوب فأبيض الافعال
منح ابتداء رافعا خبر الندى ... وكفى الوجوه مؤونة التسآل
كثرت صنائعه فقلّ نظيره ... وكذا البدور قليلة الأمثال
وحوت أزمة دجلة أعماله ... وكذا الجنان تحاز بالأعمال
حاط العلا فرماحه أقلامه ... حيث المداد لها رؤوس نصال
في ليل ذاك النّقس تطرقنا المنى ... فكأنه في الهدي طيف خيال
يحكي بياض الطرس تحت سواده ... أسرار صبح في صدور ليال
وابن البرفطي هذا أوحد عصرنا في حسن الخط والمشار إليه في التحرير، قد تخرج به خلق كثير، وسافر إلى دمشق وكتب عليه كتابها، وأقام بحلب مدة مديدة ثم عاد إلى بغداد، وهو صديقنا، أنشدني لنفسه أشعارا منها ما أثبتّه، وحفزه السفر في يوم الخميس ثامن المحرم سنة ثلاث عشرة وستمائة إلى تستر صحبة الأمير ابن أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين ابني الأمير الملك المعظم أبي الحسن علي بن سيدنا ومولانا الامام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد أمير المؤمنين، لما ولا هما أرض خوزستان بعد موت أبيهما أبي الحسن علي تقدم إلى ابن البرفطي بالخروج في خدمتهما والكون في جملتهما ليكتبا عليه ويصلحا خطهما به ويكون معلما لهما، وهو دمث الأخلاق حسن العشرة لين الكلام، قصير من الرجال فيه دهاء. وكان في أول أمره معلّما فلما جاد خطه صار محرّرا، وكان يبالغ في أثمان خطوط ابن البواب، فحصل له منها ما لم يحصل لأحد غيره، وجدت عنده أكثر من عشرين قطعة بخطه