فقال لي: يا أبا حيان ما الذي كنت تكتب؟ قلت: الحكاية التي على ظهر هذا الكتاب، فأخذها وتأملها وقال: تأبى إلا الاشتغال بالقدح والذم وثلب الناس، فقلت: أدام الله الامتاع به شغل كلّ إنسان بما هو مبتلى به مدفوع إليه.
قال أبو حيان: وقصدت مع أبي زيد المروزي دار أبي الفتح ذي الكفايتين فمنعنا من الدخول عليه أشدّ منع، وذكر حاجبه أنه يأكل الخبز، فرجعنا بعد أن قال أبو زيد للحاجب: أجلسنا في الدهليز إلى أن يفرغ من الأكل، فلم يفعل، فلما انصرفنا خزايا أنشأ يقول متمثلا «1» :
على خبز إسماعيل واقية البخل ... فقد حلّ في دار الأمان من الأكل
وما خبزه إلّا كآوى يرى ابنه ... ولم ير آوى في الحزون ولا السهل
وما خبزه إلا كعنقاء مغرب ... تصوّر في بسط الملوك وفي المثل
يحدّث عنها الناس من غير رؤية ... سوى صورة ما إن تمرّ ولا تحلي
قال أبو حيان وأنشدنا أبو بكر القومسي الفيلسوف، وكان بحرا عجاجا وسراجا وهاجا، وكان من الضرّ والفاقة ومقاساة الشدة والاضاقة بمنزلة عظيمة، عظيم القدر عند ذوي الأخطار منحوس الحظّ منهم، متهما في دينه عند العوام مقصودا من جهتهم، فقال لي يوما: ما ظننت أن الدنيا ونكدها تبلغ من إنسان ما بلغ مني، إن قصدت دجلة لأغتسل منها نضب ماؤها، وإن خرجت إلى القفار لأتيمم بالصعيد عاد صلدا أملس، وكأنّ العطويّ ما أراد بقصيدته غيري وما عني بها سواي. ثم أنشدنا للعطوي:
من رماه الإله بالإقتار ... وطلاب الغنى من الأسفار
هو في حيرة وضنك وإفلاس ... وبؤس ومحنة «2» وصغار
يا أبا القاسم الذي أوضح الجود ... إليه مقاصد الأحرار
خذ حديثي فانّ وجهي مذ بارز ... «3» هذا الأنام في ثوب قار