يتأله والناس يقولون «1» في دينه، قدم بغداد فأقام بها مدة، ومضى إلى الريّ وصحب الصاحب أبا القاسم إسماعيل بن عباد وقبله أبا الفضل ابن العميد فلم يحمدهما، وعمل في مثالبهما كتابا، وكان متفننا في جميع العلوم من النحو واللغة والشعر والأدب والفقه والكلام على رأي المعتزلة، وكان جاحظيا يسلك في تصانيفه مسلكه ويشتهي أن ينتظم في سلكه، فهو شيخ في الصوفية، وفيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام، ومتكلم المحققين، وإمام البلغاء، وعمدة لبني ساسان، سخيف اللسان، قليل الرضى عند الإساءة إليه والإحسان، الذمّ شانه والثلب دكانه، وهو مع ذلك فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومكنة، كثير التحصيل للعلوم في كلّ فن حفظه، واسع الدراية والرواية، وكان مع ذلك محدودا محارفا يتشكّى صرف زمانه، ويبكي في تصانيفه على حرمانه. ولم أر أحدا من أهل العلم ذكره في كتاب ولا دمجه في ضمن خطاب، وهذا من العجب العجاب، غير أن أبا حيان ذكر نفسه في «كتاب الصديق والصداقة» وهو كتاب حسن نفيس بما قال فيه «2» : كان سبب إنشاء هذا الكتاب «الرسالة في الصديق والصداقة» أني ذكرت منها شيئا لزيد بن رفاعة أبي الخير، فنماه إلى ابن سعدان أبي عبد الله سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة قبل تحمله عبء «3» الدولة وتدبيره أمر الوزارة، فقال لي ابن سعدان: قال لي عنك زيد كذا وكذا، قلت: قد كان ذاك، فقال لي: دوّن هذا الكلام وصله بصلاته مما يصح عندك لمن تقدم، فإن حديث الصديق حلو، ووصف الصاحب المساعد مطرب. فجمعت ما في هذه الرسالة وشغل عن ردّ القول فيها وبطؤت أنا عن تحريرها إلى أن كان من أمره