ديباجته [1] : «ولم أقصد بهذا الكتاب لهوا ولا لعبا، ولا سمحت نفسي ببذله، ولا طابت ببثه وإخراجه إلى غير أبي الحسين محمد بن عبد الرحمن الروذباري الكاتب [2]- أطال الله بقاءه- فإنه لي كما قال معاوية بن قرّة في ابنه إياس بن معاوية، وقد قيل له [3] : كيف ابنك؟ فقال: خير ابن كفاني أمر الدنيا وفرّغني لأمر الآخرة» . ثم قال:
«وما أحصي عدد من انقطع بيننا وبينه من الإخوان في ردّنا إياه عن هذا الكتاب» .
فحينئذ خفّفت عن نفسي اللوم، إذ كان التأسّي من أخلاق القوم، وعلمت أنّ النفوس بخيلة بالنفائس، شحيحة بابراز العرائس. هذا وإنما يشتمل كتابه على ثلاث وعشرين ترجمة نقلت زبدها إلى هذا الكتاب، فلم ألام إذا أخفيته عن طالبيه، وحجبته [4] عن خاطبيه؟ وقد أقسمت أن لا أسمح باعارته ما دام في مسوّدته لئلا يلحّ طالب بالتماسه، ولا يكلّفني إبرازه من كناسه، فحملهم منعي على احتذائه، وتصنيف شرواه في استوائه، وما أظنّهم يشقّون غباره، ولا يحسنون ترتيبه وأسطاره، وان وقفت لنظر الجميع، ستعرف الظالع من الضليع. فإذا هذّبته ونقّحته وبيّضته، فتمتع به فإنه كتاب أسهرت لك فيه طرفي، وأنضيت في تحصيله طرفي وطرفي. وقد حصّلته عفوا، وملكته صفوا، فاجعل جائزتي دعاء يزكو غرسه عند ذي العرش، واحمدني في بسطه والفرش، واذكرني في صالح دعائك: وربّ دعوة صادفت إجابة، ورمية حصّلت إصابة.
ولو أنصف أهل الأدب، لاستغنوا به عن المأكل والمشرب؛ ولكنّني أخاف أن يأتيه النقص من جهة زيادة فضله، وأن يقعد بقيام جدّه عظم خطره ونبله. وأستشعر له أمرين منبعهما من قلّة الإنصاف، واجتناب الحقّ والانحراف: أحدهما أن يقال هل هو إلا تصنيف رومّي مملوك، وما عسى أن يأتي به وليس في أبناء جنسه له نظير، وما كان في أمته رجل خطير، لاستيلاء [5] التقليد على العالم والبليد، فهم لا ينظرون ما