[602] صدقة بن الحسن بن الحسين بن بختيار

أبو الفرج الحداد الناسخ البغدادي:

كان فقيها حنبليا، تفقّه على أبي الوفاء ابن عقيل، وسمع الحديث وحدّث، وأقرأ الناس الفقه والحساب وعلم الكلام، وكان قيما بجميع ذلك. مات سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وكان صدقة مع سعة حلمه محدودا خاملا يسكن في المسجد الذي بباب البدرية، وكان يتردد إليه عالم من الطالبيين، فيقرأون عليه فنون العلم. وكان مع ذلك لا يتقوت إلا من أجرة نسخه، وكان لا يؤبه إليه، فلما كان آخر أيامه جرت بين يدي الوزير عضد الدولة أبي الفتوح محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء وزير الإمام المستضيء مسألة في العلم، وهل هو واحد أم أكثر، وكان عنده جماعة من أهل العلم كأبي الفرج ابن الجوزي وغيره، فسألهم عن ذلك فكلّ كتب خطه أن العلم واحد، فلما فرغوا قال: نرى ها هنا من هو قيّم بهذا العلم غير هؤلاء؟

فقال له بعض الحاضرين: هاهنا رجل يعرف بصدقة الناسخ يعرف هذا الفن معرفة لا مزيد عليها، فنفّذ [رقعة] وفيها خطوط الفقهاء، وقال له: انظر في هذه، وقل ما عندك، فلما وقف عليها فكر طويلا متعجبا من اتفاقهم على ما لا أصل له، ثم أخذ القلم وكتب: العلم علمان علم غريزي، وعلم مكتسب، فأما الغريزي فهو الذي يدرك على الفور من غير فكرة كقولنا واحد وواحد، فهذا يعلم ضرورة أنه اثنان. وعلم مكتسب وهو ما يدرك بالطلب والفكرة والبحث، أو كلاما هذا معناه لأنه حدث بذلك مفاوضة. وأنفذ الخط إلى الوزير، فلما وقف عليه أعجب به، وقال: أين يكون هذا الرجل؟ فعرف حاله وفقره، فاستدعاه إليه، وتلقاه بالبشر، وخلع عليه خلعة حسنة، وأعطاه أربعين دينارا، ففرح فرحا عظيما، وقال: يا مولاي، قد حضرني بيتان، فقال له أنشدهما، فقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015