هذه الأبيات الأربعة صفة لقوله: قلد الله دولةً سيفها أنت: أي قلدها الله منك حساماً هذه صفته.
يقول: هو يضرب الكتيبة بسيفه، حيث لا يقدر أحد منها أن يطعن برمحه. والضرب أعلى وأغلى: معناه إذا لم يقدر أحد على الدنو من العدو، وقيد الرمح بالدنو فيه، فقيد السيف أصعب وأشد.
ولا يعترض على هذا بأن يقال: الأمر بخلاف ذلك؛ لأنه ربما لا يمكن المطاعنة لطول الرماح، ويمكن المضاربة بالسيوف لقصرها، فلا يكون الضرب أعلى وأغلى؛ لأن المعنى ما بينا: أنه إذا لم يمكن الدنو مقدار رمح لشدة القتال، فالدنو مقدار سيف أشد تعذراً، أو لأنه إذا كانت الحال هذه فترتعش الأيدي، ولا تقل السيوف.
أيّها الباهر العقول فما يد ... رك وصفاً أتعبت فكري فمهلاً
يقول: حيرت العقول بفضلك، فلا تحيط الأوصاف كنه وصفك، وقد أردت وصفك في الشعر فأتعبت فكري بمحاسن أوصافك، فارفق ولا تكلفني من وصفك ما لا أطيق. ووصفاً: نصب على التمييز، ومهلاً: على المصدر.
من تعاطى تشبّهاً بك أعيا ... هـ ومن دلّ في طريقك ضلاّ
دل في طريقك: أي سلكها، يقال: دل فلان في طريق إذا عرف أعلامها، وتبع الناس أثره فيه.
يقول: من رام أن يشتبه بك أعجزه ما يرومه ولم يقدر عليه، ومن سلك طريق فعالك ضل وتحير ولم يقدر أن يقتفي آثار سعيك. وفاعل أعياه قيل: ضمير التشبه، وقيل: راجع إلى التعاطي: أي أعياه تعاطيه، ودل عليه: تعاطى.
فإذا ما اشتهى خلودك داعٍ ... قال: لا زلت أو ترى لك مثلا
يقول: لا نظير لك في الشرف، ولا يكون لك نظير فيما بعد، فمن أراد أن يدعو لك بالخلود قال: لا زلت حتى ترى لك نظيراً. وهذا مما لا يكون، فكأنه قال: لا مت أبداً.
وورد على سيف الدولة الخبر، آخر ساعة نهار يوم الثلاثاء لست خلون من جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثلاث مئة، بأن الدمستق وجيوش النصرانية قد نزلت ثغر الحدث، في يوم الأحد، ونصبت مكايد الحصون عليه، وقدرت نيل فرصة، لما تداخلها من القلق والانزعاج والوصم في تمام بنائه على يد سيف الدولة، لأن ملكهم ألزمهم قصدها، وأنجدهم بأصناف الكفر من البلغر والروس والصقالبة وغيرهم وأنفذ معهم العدد فركب سيف الدولة لوقته نافراً، وانتقل إلى موضع غير الموضع الذي كان به، ونظر فيما يجب أن ينظر فيه في ليلته، وسار عن حلب غداة يوم الأربعاء لسبع خلون فنزل رعبان، وأخبار الحدث مستعجمة عليه لضبطهم الطرق، تقديره أن يخفى عليه خبرهم، فلما أسحر لبس سلاحه وأمر أصحابه بمثل ذلك، وسار زحفاً، فلما قرب من الحدث عادت إليه الطلائع، فأخبرته بأن عدو الله تعالى لما أشرفت عليه خيول سيف الدولة، على عقبة يقال لها: العبراني، رحل ولم تستقر به دار، وامتنع أهل الحدث من البدار بالخبر خوفاً من كمين يعترض الرسل، فنزل سيف الدولة بظاهرها، وذكر خليفته بها أنهم نازلوه وحاصروه فلم يخله الله تعالى من نصره عليهم، إلا في نقوب نقبوها في فصيل كان قديماً للمدينة وأتتهم طلائعهم بخبر سيف الدولة في إشرافه على ثغر رعبان، فوقعت الصيحة فيهم وظهر الاضطراب في جمعهم وولي كل فريق على وجهه، وخرج أهل الحدث فأوقعوا ببعضهم وأخذوا آلة حربهم فأعدوها في حصنهم. فقال أبو الطيب في ذلك، ويمدحه:
ذي المعالي فليعلون من تعالي ... هكذا هكذا، وإلاّ فلا، لا
ذي إشارة: إلى المعالي. وتعالي: بمعنى: علا. وهكذا: إشارة إلى المعالي أيضاً، وكرره تفخيماً لأمر سيف الدولة.
يقول: المعالي هذه التي يسعى إليها سيف الدولة، ومن أراد أن يعلو إلى المعالي ويسعى إلى المجد، فليفعل كما فعل، وإلا فليترك طلبها. وليدعها لمن هو أقدر منه، فإنه لا معالي دون ذلك.
شرفُ ينطح النّجوم بروقي ... هـ وعزٌّ يقلقل الأجبالا
روقاه: قرناه. والهاء فيه للشرف. ويقلقل: أي يحرك، هذا تفسير للمعالي.
يقول: للمعالي شرف ينطح النجوم بقرنيه، وعز يزعزع الجبال من أماكنها، مثل شرف سيف الدولة وعزه.
حال أعدائنا عظيمٌ وسيف الدّ ... ولة ابن السّيوف أعظم حالا
الحال: يذكر ويؤنث، ولهذا قال: عظيم.
يقول: إن كان حال الروم عظيما فسيف الدولة أعظم منهم حالاً.
كلّما أعجلوا النّذير مسيراً ... أعجلتهم جياده الإعجالا
أعجلت السير: استعجلته. والنذير: المنذر.