معجز احمد (صفحة 344)

يقول: كلما بعث الروم عينا يتعرف لهم خبر سيف الدولة وينذرهم، وأعجلوا رسولهم في مسيره إليهم بأخباره، أعجلهم سيف الدولة بخيله، وسار إليهم قبل عود الرسول إليهم، وقبل أن يصل نذيره إليهم.

فأتتهم خوارق الأرض ما تح ... مل إلاّ الحديد والأبطالا

خوارق: نصب على الحال.

يقول: أتتهم خيل سيف الدولة تشق الأرض بحوافرها؛ لشدة وطئها وقوة جريها، وليس عليها إلا الفرسان والسلاح.

خافيات الألوان قد نسج النّق ... ع عليها براقعاً وجلالا

يقول: أتتهم الخيل قد خفيت ألوانها لما علاها من الغبار، حتى صار لها مثل البراقع والجلال، وخافيات: نصب على الحال.

حالفته صدورها والعوالي ... ليخوضنّ لدونه الأهوالا

حالفته: أي حلفت له، والهاء لسيف الدولة، وكذلك في دونه وقوله: ليخوضن المروى عنه بضم الضاد، وأجراها مجرى العقلاء، فلذا أطلق عليها اسم المحالفة، كقوله تعالى: " رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجدِينَ " ولو قال لتخوضن بالتاء وفتح الضاد، لكان أظهر في الإعراب.

يقول: حلفت لسيف الدولة هذه الخيل، والرماح أنها تخوضن الأهوال دونه، وتقاتل الأبطال عنه.

ولتمضنّ حيث لا يجد الرّم ... ح مداراً ولا الحصان مجالا

القياس: وليمضن عطفاً على قوله: ليخوضن غير أنه رده إلى أصل التأنيث، فأورده بالتاء، ثم كان القيسا على هذا لتمضين كما يقال: لتقومن هند، إلا أن هذا لغة أيضاً.

يقول عطفاً على ما تقدم: إن خيله ورماحه حالفته أنها تمضي حيث لا يقدر الرمح أن يدور فيه لضيقه، ولا يتمكن الحصان من الجولان عليه. والمدار والمجال: يجوز أن يكونا مصدرين من. جال يجول مجالاً، ودار يدور مداراً. ويجوز أن يكونا اسمين لمكان الدوران والجولان.

لا ألوم ابن لاونٍ ملك الرّو ... م وإن كان ما تمنّى محالا

يقول: لا ألوم ملك الروم على قلقه. لما بنيت من هذه القلعة، وإن كان ما تمناه من هدمها محالاً.

أقلقته بنيّةٌ بين أذني ... هـ وبانٍ بغى السّماء فنالا

يقول: لا ألوم ملك الروم على قصده لهدم هذه البنية التي هي قلعة الحدث لأنها أقلقته، فكأنها مبنية على مؤخر رأسه بين أذنيه، فلا بد من أن تقلقه لثقلها عليه، وهذا الباني أيضاً قلعة وهو الذي طلب السماء فوصل إليها، فكأنه يقول: كيف يتعذر على سيف الدولة بناء الحدث وهو قد رام السماء فنالها بعلوه.

كلّما رام حطّها اتّسع البن ... ى فغطّى جبينه والقذالا

بنى يبني بنياً و، بناء.

يقول: كلما أراد ملك الروم هدم هذه القلعة، وسع سيف الدولة بناءها، وأحكم حائط سورها، حتى عم بها رأسه: مقدمه مؤخره، فيكون حطه سبباً لإحكامها، فيعظم أمرها عليه.

يجمع الرّوم والصّقالب والبل ... غر فيها وتجمع الآجالا

فيها: أي في ناحيتها، والآجال: جمع الأجل.

يقول: إن ملك الروم يجمع الأمم لهدم هذه القلعة، وأنت تجمع آجالهم ومناياهم فتوافيهم بها وتقتلهم.

وتوافيهم بها في القنا السّم ... ر كما وافت العطاش الصّلالا

الصلال: جمع صلة وهي الأرض التي أصابها المطر من بين الأرضين التي لم تمطر وقيل: هي بقايا المياه.

يقول: تجمع آجالهم وتوافيهم بها على أطراف الرماح، فآجالهم تتسابق إليهم، كما تتسابق العطاش إلى الأرض الممطورة.

والمعنى: أنهم كلما بعثوا إليها الجيش لهدمها قصد إليه سيف الدولة فأهلكه.

قصدوا هدم سورها فبنوه ... وأتوا كي يقصّروه فطالا

يقول: إنهم قصدوا إليها؛ ليهدموا سورها، فقتلهم سيف الدولة، وتمم بناء سورها، فكأن قصدهم لهدمها سبب بنائها.

وحكى ابن جني: إن سبب إتمام بناء الحدث. أن الروم لعنوا سيف الدولة، فاغتاظ من ذلك وأتمه، فلما كان لعنهم إياه سبباً لإتمامه، أجرى عليه لفظ البناء.

واستجرّوا مكايد الحرب حتّى ... تركوها لها عليهم وبالا

استجروا: أي جروا. ومكايد الحرب: آلاتها. والهاء في لها لقلعة الحدث، وأراد بها: أهلها.

يقول: إنهم جمعوا آلات الحرب، ومكايد الحصون، ثم انهزموا وتركوها، فأخذها أهل الحدث، واستعانوا بها عليهم، فصارت وبالاً عليهم.

وقيل: أراد بمكايد الحرب: تدبيرهم في الحدث فقال: إن تدبيرهم صار وبالاً عليهم، لأن أهل الحدث أوقعوا بهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015