معجز احمد (صفحة 337)

يقول: إن هذا الجيش يحف أغر: أي يحيط به من جميع جهاته، وإذا قتل إنساناً لا يقتل به قوداً؛ لعزته ومنعته، أو لأنه لا يقتله إلا بحق، ولا يطالب أيضاً بديته، ولا يعتذر عما فعله؛ للوجهين اللذين ذكرناهما. وهو من قوله تعالى: " لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ".

تريق سيوفه مهج الأعادي ... وكلّ دمٍ أراقته جبار

المهجة: دم القلب، وهي النفس أيضاً. والدم الجبار: الباطل.

يقول: كل دم تريق سيوفه من دم الأعادي، ذهب هدراً لا يدرك له ثأر.

فكانوا الأسد ليس لها مصالٌ ... على طيرٍ وليس لها مطار

المصال: مصدر صال، والمطار: من طار.

يقول: إنهم كانوا أسوداً في أنفسهم بشجاعتهم وإقدامهم، وكانت خيلهم كالطيور سرعة، ولكن لما رأوك تحيروا وتحيرت أفراسهم هيبةً لك، فلم يكن لهم مصال مع كونهم أسود، ولا لخيلهم مطار مع كونها في السرعة كالطير.

وقيل: المعنى أنهم كانوا قبل ذلك مثل الأسود، والآن لما غضبت عليهم ليس لهم مصال على طير لضعفهم وقلتهم، وليس لهم أيضا مطار؛ لأنك قد أهلكتهم بالقتل والأسر. وأراد بالمصال على طيران الأفراس: كالطير لخفتها، فكأنه قال: ليس لها مصال على غيرهم من الفرسان لضعفهم، فشبه خيل المخالفين لهم بالطير.

إذا فاتوا الرّماح تناولتهم ... بأرماحٍ من العطش القفار

يقول: إن فاتوا رماحك ودخلوا البر هلكوا من العطش، وكأن العطش رماح القفار، قتلتهم بها.

يرون الموت قدّاماً وخلفاً ... فيختارون، والموت اضطرار

يقول: قد أحاط بهم الموت من قدامهم وخلفهم فقدامهم العطش، ووراهم الرماح، فكانوا بين موتين، فيختارون أحدهما، وإن هذا الموت ليس باختيار، بل هو اضطرار.

وقيل: معناه يختارون أحد الموتين، فأما الموت فهو نازل بهم لا محالة ولا محيص لهم عنه، وإنما يختارون أحد الموتين.

إذا سلك السّماوة غير هادٍ ... فقتلاهم لعينيه منار

الهادي: الدليل، وقيل: هو العارف بالطريق، وهو في معنى المهتدي. والمنار: العلامات التي تبنى على الطريق، ليهتدي بها، والواحدة: منارة.

يقول: إنهم دخلوا السماوة فراراً من سيف الدولة، وتبعهم فقتلهم في كل مكان، وبقيت جثثهم مطروحة على الطرق حتى لو سلك السماوة من لا يهتدي فيها، لكانت جثثهم تدله على الطريق، وتقوم له مقام المنار.

وقيل: أراد أنهم ماتوا عطشاً هناك وبقيت جثثهم دالة للمار بها.

ولو لم يبق لم تعش البقايا ... وفي الماضي لمن بقي اعتبار

يقول: لو لم يعف عنهم سيف الدولة لهلكوا عن آخرهم، ولم يعش الباقي منهم، ومن بقي منهم يعتبر حاله بحال من مضى.

والماضي: هو المقتول، والباقي: الذي بقي بعدهم.

إذا لم يرع سيّدهم عليهم ... فمن يرعى عليهم أو يغار؟!

أرعى فلان على فلان: إذا كف عنه ورق له.

يقول: إذا لم يرحمهم سيدهم فمن الذي يرحمهم ويغضب لهم؟!

تفرّقهم وإيّاه السّجايا ... ويجمعهم وإيّاه النّجار

هولاء من أصل واحد، لأنهم جميعاً من نزار، وسجاياهم متفرقة. والنجار. الأصل.

يقول: خليقة سيف الدولة وخلائقهم مختلفة؛ لأن خليقة سيف الدولة الكرم والعفو، وخلائقهم العصيان والنزق، فبينهما فرق من هذه الجهة.

ومال بها على أركٍ وعرضٍ ... وأهل الرّقّتين لها مزار

الهاء في بها للخيل. وأرك وعرض: موضعان. والرقتان: مدينتان من ديار بكر.

يقول: لما فرغ من بني كعب، عطف بخيله على أهل أرك وعرض، وقرب من أهل الرقتين، حتى لو شاء أن يزورهما بخيله، لم يبعد عليه.

وقيل: مال بالخيل على أرك وعرض، لطلب بني كعب.

وقيل: معناه عدل بجيشه على أهل أرك وعرض، مع بعدهما عن مقصده؛ لأنه كان قد توجه إلى الرقتين وأرك وعرض بعيدان عن الرقتين.

وأجفل بالفرات بنو نميرٍ ... وزأرهم الّذي زأروا خوار

أجفل: أسرع هارباً مذعوراً. والزأر والزئير: صوت الأسد. والخوار: صوت الثور.

يعني: أن بني نمير فروا من الفرات، خوفاً منه، وكانوا قبل ذلك يزأرون كالأسود، ويرعدون بالحرب، فلما رأوه ذلوا وصار زئيرهم خواراً: أي بعد أن كانوا أسوداً في الشدة صاروا مثل البقر في الذلة.

فهم حزقٌ على الخابور صرعى ... بهم من شرب غيرهم خمار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015