معجز احمد (صفحة 336)

يقول: إذا انكشف الليل عنهم أضاء لهم نهاران: أحدهما النهار الحقيقي، والثاني ضوء لمع السيوف. وقد أتى النابغة بجميع ذلك في بيت واحد فقال:

تبدوا كواكبه والشّمس طالعةٌ ... نوراً بنورٍ وإظلاماً بإظلام

يبكّي خلفهم دثرٌ، بكاه ... رغاءٌ أو ثؤاجٌ أو يعار

الرغاء: صوت الإبل. والثؤاج: صوت الضأن. واليعار: صوت الماعز. والدثر: المال الكثير.

يقول: يصيح وراءهم مال عظيم من الإبل والضأن والماعز فكأنها تبكي.

غطا بالغنثر البيداء حتّى ... تخيّرت المتالي والعشار

غطا يغطو، وغطى يغطي بمعنىً. والغنثر: ماء. والمتالي: جمع متلية وهي التي يتلوها ولدها. والعشار: الحوامل التي أتى على حملها عشرة أشهر والواحدة عشراء.

يقول: لما وصل سيف الدولة إلى هذا الماء أخذ أموال بني كعب لما هربوا، وغطى بها البيداء وملأها، حتى عجز الجيش عن سوقها، فكان أصحابه يختارون نفائسها وكرائمها وهي المتالي والعشار.

وقيل: إن فاعل غطا هو ضمير الدثر. والمعنى: أن المال غطى بكثرته البيداء على هذا الماء، حتى أخذ كرائمه.

ومرّوا بالجباة يضمّ فيها ... كلا الجيشين من نقعٍ إزار

الجباة: ماء، أو موضع. والنقع: الغبار.

يقول: انهزموا من سلمية، ومروا بالجباة، وخيل سيف الدولة خلفهم فأحاط الغبار بهم جميعاً، فكان العسكران كأنهما في إزار واحد، وصار الغبار كالإزار المحيط بهم. ومثله للخنساء تصف عيراً يطرد أتاناً:

يتعاوران من الغبار ملاءةً ... بيضاء ساطعةً هما نسجاها

وجاءوا الصّحصحان بلا سروجٍ ... وقد سقط العمامة والخمار

الصحصحان: صحراء هناك. وأراد بالعمامة: العمائم. وبالخمار: الخمر.

يقول: انهزموا من الجباة وجاءوا الصحصحان، وقد ألقوا سروجهم لتخف دوابهم، وسقطت عمائمهم عن رءوسهم وخمر نسائهم.

وأرهقت العذارى مردفاتٍ ... وأوطئت الأصيبية الصّغار

أرهقت: أي كلفت أمراً صعباً. والأصيبية: تصغير صبية، وهي جمع الصبي في القلة.

يقول: أردفوا العذارى خلفهم وأتعبوهن من شدة الركض، وأوطئوا إبلهم وخيلهم صبيانهم الصغار؛ لشدة هربهم.

وقد نزح العوير فلا عويرٌ ... ونهيا والبييضة والجفار

هذه كلها أسماء مياه.

يقول: نزحوا هذه المياه لما أصابهم من شدة العطش حين مروا بها.

وليس بغير تدمر مستغاثٌ ... وتدمر كاسمها لهم دمار

تدمر: مدينة على طرف السماوة. والمستغاث: الموضع الذي يلتجأ إليه. والدمار: الهلاك.

يقول: لما لم يجدوا في هذه المواضع ماء اجتمعوا في تدمر ليدبروا رأياً، ولم يكن لهم موضع سواها يلتجئون إليه، فلما نزلوا بها قصدهم سيف الدولة، فدمر عاليهم فيها، فصار اسمها موافقاً لهلاكهم ودمارهم.

أرادوا أن يديروا الرّأي فيها ... فصبّحهم برأيٍ لا يدار

يقول: اجتمعوا في تدمر؛ ليدبروا رأيهم، فصبحهم سيف الدولة برأي لا يتوقف فيه، لأنه لا يرى إلا ما يكون صواباً في أول وهلة، وقيل: أراد أنه يستبد برأيه، ولا يرجع فيه إلى أحد، ولا يعرض له ما يعوقه عنه.

وجيشٍ كلّما حاروا بأرضٍ ... وأقبل أقبلت فيه تحار

حار يحار حيرة: إذا تحير. والضمير في حاروا قيل: يعود إلى بني كعب. وفي فيه إلى الجيش.

يقول: صبحهم برأي وجيش عظيم يغطي الأرض كثرةً، فمتى تحير القوم المنهزمون بأرض تحيرت الأرض في هذا الجيش، لكثرته.

وقيل: حاروا للجيش وفيه لسيف الدولة، والمعنى: صبحهم بجيش كلما تحير هذا الجيش بأرض: إما لأنها تضيق بهم لكثرتهم، وإما لسعتها فلا يهتدون فيها، وإما لخشونتها، ثم إذا أقبل سيف الدولة وجاء إلى الجيش أقبلت الأرض تتحير في سيف الدولة؛ لعظم هيبته.

وقيل: حاروا فعل الجيش على المعنى. قيل: وفيه يعود إلى لفظ الجيش. يعني: أن الجيش إذا تحيروا في هذه الأرض أقبلت الأرض تتحير في هذا الجيش لكثرته وزيادته عليها.

يحفّ أغرّ لا قودٌ عليه ... ولا ديةٌ تساق ولا اعتذار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015