وما انقادت لغيرك في زمانٍ ... فتدري ما المقادة والصّغار
المقادة: الانقياد. والصغار: الذل.
يقول: إن نزار لم تنقد لأحد قبلك، حتى تعرف ما الصغار والانقياد.
فأقرحت المقاود ذفرييها ... وصعّر خدّها هذا العذار
الذفران: الجيدان المكتنفان للنقره حول القفا، وقيل: هما العظمان الناشزان خلف الأذنين، وأراد بهما الذفاري، فذكر لما يكون للواحد؛ لأن لكل واحد ذفرين، فاكتفى بالواحد عن الجمع. وصعر خدها: أي أماله، وأراد بالخد أيضاً: الخدود. وبالعذار: العذر. وفاعل أقرحت: المقاود. والهاءات لنزار. والمقاود: جمع مقود، وهو الحبل تقاد به الدابة الصعبة الانقياد.
يقول: ما زلت تقودهم بالعذار والمقود الخشن، حتى تقرح ذفرياها وتصعر خدها من ذلك العذار.
وأطمع عامر البقيا عليها ... ونزّقها احتمالك والوقار
ولم يصرف عامر لأنه جعلها اسماً للقبيلة. والهاء في عليها تعود إلى عامر والبقيا: اسم من الإبقاء، وهي المسامحة.
يقول: لما أبقيت على بني عامر طمعت فيك، فدعاها ذلك إلى الخفة والطيش، حتى أقدمت على محاربتك.
وغيّرها التّراسل والتّشاكي ... وأعجبها التّلبّب والمغار
التلبب: التحزم للقتال ولبس الأسلحة. والمغار: هو الإغارة على العدو.
وقيل: من الإغارة التي هي إحكام الفتل فيقرب من التلبب.
يقول: غيرها عن الطاعة تراسل بعضهم بعضاً، وشكوى سيف الدولة، فكان يشكو بعضهم بعضاً ما يعاملهم به، وقيل: معناه غيرها عن الطاعة مراسلة سيف الدولة إياهم متلطفاً، وكذلك شكايته أفعالهم، ظنوا أن ذلك عن عجزه وأعجبها التحزم للحروب والغارات، وطمعوا في ذلك من سيف الدولة، لما رأوا احتماله.
وقيل: معناه اغتروا بتحزمهم ولبسهم الأسلحة وكثرة الإغارة على الأعداء.
جيادٌ تعجز الأرسان عنها ... وفرسانٌ تضيق بها الدّيار
جياد: عطف على قوله: التلبب والمغار، وقيل: هي مبتدأ والخبر محذوف، أي لهم جياد.
يقول: أعجبها خيل جياد تعجز عنها الأرسان؛ لكثرتها فلا يوجد لها أرسان تكفيها.
وقيل: تعجز الأرسان عن ضبطها؛ لصعوبتها، وكذلك أعجبها فرسان لا تسعهم الأرض لكثرتهم.
وكانت بالتّوقّف عن رداها ... نفوساً في رداها تستشار
نفوساً: خبر كانت. واسمه ضمير القبيلة التي هي بني عامر.
يقول: كانت هذه القبيلة بإقامتهم على عصيانهم سيف الدولة كالمشيرين عليه بقتلهم، وكان هو يتوقف عن قتلهم، فكأنه كان هو كالمستشير في قتله إياهم.
وكنت السّيف قائمه إليها ... وفي الأعداء حدّك والغرار
غرار السيف: ما بين حده إلى عيره الناشز في وسطه. وقيل: هو الحد، وجمع بينهما لاختلاف اللفظين.
يقول: كنت قبل أن يعصوك، سيفاً لهم قائمه في أيديهم، وحده في أعدائهم، فلما عصوك انقلب حده فيهم ومثله:
نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمةٍ ... ففينا غواشيها وفيهم صدورها
ومثله لجعفر الحارثي:
لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبلٍ ... ولي منه ما ضمّت عليه الأنامل
فأمست بالبديّة شفرتاه ... وأمسى خلف قائمه الحيار
البدية والحيار: ماءان. وقيل موضعان. فالحيار: قريبة من العمارة. والبدية: واغلة في البرية، وبينهما مسيرة ليلة. وكان سيف الدولة بالحيار، وبنو عامر بالبدية.
يقول: كنت سيفاً لهم، قائمة في إيديهم، فلما عصوك صار حده فيهم وقائمه خلف الحيار.
وقيل: معناه أن قائمه كان خلف الحيار وشفرتاه بالبدية: أي طال السيف إليهم حتى وصل من خلف الحيار إلى البدية، وإنما طال بطول باع حامله.
يصف بذلك سرعة وصوله إليهم.
وكان بنو كلابٍ حيث كعبٌ ... فخافوا أن يصيروا حيث صاروا
كعب: مرفوع بالابتداء وخبره محذوف. أي حيث كعب كائنة. وكان سيف الدولة بالحيار، فسار عنها يقصد البدية، فتلقاه مشيخة بني كلاب في الطريق، واستأمنوه، وقد كانوا مع كعب يداً واحدة، فخالفوهم وساروا مع سيف الدولة، إلى بني كعب.
فيقول: كان بنو كلاب مع كعب، فخافوا أن يحل بهم ما حل بكعب من القتل، فرجعوا إلى الطاعة.
تلقّوا عزّ مولاهم بذلٍّ ... وسار إلى بني كعبٍ وساروا
يقول: ذل بنو كلاب لعز مولاهم وهو سيف الدولة وانقادوا له فساروا معه إلى بني كعب.