معجز احمد (صفحة 333)

قال ابن جني: سألت المتنبي عن معناه فقال: الفرس إذا علقت عليه المخلاة طلبت موضعاً مرتفعاً يضعها عليه، ثم يتناول منها، فخيل سيف الدولة أبداً إذا علقت عليها علائقها رفعته على هام الرجال الذين قتلتهم! لكثرة هاماتهم.

وقد قيل: إن هذا يؤدي إلى أن تكون الخيل هجنا قصار الأعناق؛ لأن الفرس العتيق لا يضع مخلاته على شيء لطول عنقه.

واعتذر عنه فقيل: إن رءوس القتلى قد كثرت حتى غطت وجه الأرض، فالفرس لا يضع مخلاته - إن وضعها - إلا على رءوس القتلى؛ وكثر ذلك حتى صار عادة لها، ولم يفعل ذلك لأنه كان يحتاج إليه لقصر عنقه.

ولا ترد الغدران إلاّ وماؤها ... من الدّم كالرّيحان تحت الشّقائق

الشقائق: يقال له الشقر، وهو اسمه الأصلي، وإنما سمي الشقر شقائق بمنبته، والشقائق: جمع شقيقة، وهي كل أرض مستطيلة تشق بين الرملين. وقيل لها: شقائق النعمان؛ لأن النعمان مر على شقائق فيها هذا النور فأعجبه فحماه، ولم يدع أحداً يرعى تلك الشقائق، فأضيفت إليه يقول: تعودت خيله ألا ترد لشرب الماء إلا الغدران الممزوجة بالدماء. شبه خضرة الماء تحت الدم بالريحان تحت الشقائق. وقيل: أراد بالريحان الطحلب ومعناه: أن حمرة الدم تعلو خضرة الطحلب. وأخذ هذا المعنى بعض المتأخرين ونقله إلى وصف سيف فقال:

ويلوح في ورق النّجيع فرنده ... كالماء تحت شقائق النّعمان

لوفد نميرٍ كان أرشد منهم ... وقد طردوا الأظعان طرد الوسائق

الوسائق: جمع الوسيقة، وهو ما يطرد من الوحش عند الصيد.

يقول: بنو نمير كانوا أرشد منهم رأياً حين فروا بنسائهم، وبعثوا وفودهم إليه يسألونه العفو، ولم يقفوا لك، كما فعلت عقيل.

أعدّوا رماحاً من خضوعٍ فطاعنوا ... بها الجيش حتّى ردّ غرب الفيالق

الغرب: الحد.

يقول: جعلوا خضوعهم إلى سيف الدولة رماحاً لهم، طعنوا بها الجيش، وردوا بها حدته عنهم.

فلم أر أرمى منه غير مخاتلٍ ... وأسرى إلى الأعداء غير مسارق

يقول: لم أر أرمى منك غير مخادع. يعني أنك لا تخادع أعداءك، ولا تسري إليهم سراً، بل تجاهر بالطلب وتواجه بالرمي.

تصيب المجانيق العظام بكفّه ... دقائق قد أعيت قسيّ البنادق

قسي البنادق: ما يستعمله أهل العراق في رمي الطيور ويسمونه: الجلاهق. والبنادق: جمع بندقة، تعمل من الطين بقدر البندقة، وترمي بها الطير. وقيل: حجارة مستديرة كهيئة البندقة يرمى بها.

يقول: إن المجانيق تعمل بكفك عمل الجلاهق، فيمكنك أن تصيب بالمنجنيق المواضع اللطيفة الدقيقة التي لا يصيبها غيرك بقوس البنادق.

يعني: أنه يتوصل بجيشه عند مجاهرة أعدائه إلى ما لا يقدر غيره على التمكن منه بالختل والمخادعة.

وقال أبو الطيب هذه القصيدة في هذه السرية يسترضيه على قبائل العرب المشار إليها إلا أنه لم يذكر المنازل ولا وصف الوقعة؛ لأنه لم يشهدها، فشرحها له سيف الدولة وسأله أن يصفها فقال.

طوال قناً تطاعنها قصار ... وقطرك في ندىً ووغىً بحار

الهاء في تطاعنها لطوال القنا، وأراد أصحابها.

يقول: إذا طاعنت أصحاب الرماح الطوال قصرت تلك الرماح في أيديهم؛ لأن أيديهم تضعف وترتعد عند لقائك، فلا تعمل رماحهم فيك، وكأنها مع طولها قصيرة، والقليل من عطائك كثير بالإضافة إلى عطايا غيرك، كالقطرة في البحر، وكذلك القليل من حربك كثير بالإضافة إلى حرب غيرك.

وفيك إذا جنى الجاني أناةٌ ... تظنّ كرامةً وهي احتقار

الأناة: الحلم والرفق. والتأني.

يقول: أنت حليم تتغافل عن المسيء، فيظن المسيء وغيره أن ذلك لكرامته عليك، وإنما هو لاحتقارك إياه.

وأخذٌ للحواضر والبوادي ... بضبطٍ لم تعّوده نزار

وأخذ: عطف على قوله: أناة.

يقول: فيك أخذ لأهل الحضر وأهل البدو، سياسةً وشدة لم تتعود العرب مثله. ونزار يجمع ربيعة ومضر ونحوهما أكثر العرب، فلذلك خصهم بالذكر.

تشمّمه شميم الوحش إنساً ... وتنكره فيعروها نفار

أراد: تتشممه، فحذف أحد التاءين، والضمير في تشممه يعود إلى الضبط. فيعروها: أي يظهر لها، والهاء في يعروها لنزار.

يقول: تتشمم نزار ضبطه وسياسته كما يتشمم الوحش الإنس فتهرب عند ذلك؛ لأنها لم تتعود هذه السياسة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015