وكانوا يروعون الملوك بأن بدوا ... وأن نبتت في الماء نبت الغلافق
يروعون: أي يفزعون. وبدوا: أي صاروا أهل البادية وسكنوها. والغلافق: جمع الغلفق وهو الطحلب، وقيل: هو ما نبت في الماء مثل الطحلب.
يقول: كانوا يخوفون الملوك بنزولهم في البادية، وبأن الملوك لا تصبر على الماء كما لا تصبر الغلافق.
فهاجوك أهدى في الفلا من نجومه ... وأبدى بيوتاً من أداحي النّقانق
الهاء في نجومه يعود إلى لفظ الفلا ويجوز نجومها فيكون راجعاً إلى المعنى؛ لأنها جمع الفلاة. وهاجوك: أي هيجوك. وموضع أهدى نصب على الحال. وأبدى بيوتاً: أي أدخل في البدو بيتاً من النعام، فأبدى: من البادية. وأداحي: جمع الأدحية، وهي موضع بيض النعام. والنقانق: جمع نقنق وهو ذكر النعام.
يقول: هيجوك للحرب، وأنت عالم بالفلوات وأكثر اهتداء من النجوم، وكنت أدخل في البادية بيتاً من النقانق.
وقيل: إن قوله أبدى بيوتاً: أي أظهر بيوتاً، ومعناه: كنت فيها أظهر بيوتاً من النقانق؛ لأن بيوتها تكون ظاهرة غير خفية.
وأصبر عن أمواهه من ضبابه ... وآلف منها مقلةً للودائق
الودائق: جمع الوديقة، وهي شدة الحر. ويجوز أمواهها وضبابها رداً إلى معنى الجمع. والهاء في منها للضباب. وأصبر وآلف نصب على الحال، عطفاً على قوله: أهدى في الفلا ومقلةً نصب على التمييز.
يقول: كنت أصبر في الفلوات عن الماء من الضباب؛ لأنها تتبلغ بالنسيم عن الماء، وكنت آلف للحر من الضباب، ومقلتك أكثر إلفاً للحر من مقلة الضباب.
وكان هديراً من فحولٍ تركتها ... مهلّبة الأذناب خرس الشّقاشق
الهدير: صوت الفحل الهائج. المهلبة: مجذوذة الأذناب، والهلب: شعر الذنب والشقاشق: جمع الشقشقة، وهي ما يخرجه الفحل من فمه شبه الرئة، والفحل إذا هاج شد ذنبه فيسكن عند ذلك ويذل، فالمهلبة: هي المشدودة الأذناب.
وقيل: إن الفحل الهائج إذا نتف ذنبه سكن. فالمهلبة: المنتوفة الأذناب على المعنيين اللذين ذكرناها، فسكتت وخرست شقاشقها: أي انقطع هديرها.
قال ابن جني: المعنى كأن فعلهم من طغيانهم كهدير من فحول هاجت، فانتدب لها فحل أصعب منها فهربت منه وولته أذنابها، فهلبها: أي أخذ شعر أذنابها فنتفها وسكن هديرها.
فما حرموا بالرّكض خيلك راحةً ... ولكن كفاها البرّ قطع الشّواهق
فما حرموا: أي ما منعوا خيلك. نصب لأنها المفعول الأول بحرموا. وراحةً: المفعول الثاني والهاء في كفاها للخيل وهو المفعول الأول. وقطع: المفعول الثاني. والبر: فاعل كفاها.
يقول: إنهم ما منعوا خيلك بالركض راحةً وما كلفوها مشقةً؛ لأنها أبداً لا تخلو من الحرب، فلولا أنها لم تسر إليهم لغزت بلاد الروم، وعلت الجبال الشواهق، والبر أسهل عليها من الجبال.
ولا شغلوا صمّ القنا بقلوبهم ... عن الرّكز لكن عن قلوب الدّماسق
الدماسق: جمع الدمستق.
يقول: لم تكن رماحك مركوزة في الأرض، فشغلوها عن الركز في الأرض بالطعن في قلوبهم، وإنما حولوها عن قلوب الدماسق إلى قلوبهم. يعني: لا راحة لخيلك ولا راحة لسلاحك.
ألم يحذروا مسخ الّذي يمسخ العدى ... ويجعل أيدي الأسد أيدي الخرانق
المسخ: تغير الصورة إلى غيرها. والخرانق: جمع الخرنق، وهو الأرنب الصغير.
يقول: أما خافوا سيف الدولة أن يمسخهم كما يمسخ أعداءه؟! ويرد أيدي الأسود منهم إلى أيدي الخرانق في القصر. والذلة والضعف، يعني: أن يجعل العزيز ذليلاً.
وقد عاينوه في سواهم وربّما ... أرى مارقاً في الحرب مصرع مارق
المارق: الخارج عن الطاعة. والهاء في عاينوه للمسخ، وفاعل أرى ضمير سيف الدولة.
يقول: أما خافوا مسخه؟! وقد شاهدوا سيف الدولة كيف مسخ أعاديه من غيرهم! فكان سبيلهم أن يرتدعوا بغيرهم، وسيف الدولة إذا مرق واحد من طاعته صرعه وقتله، وأرى مارقاً غيره مصرع الأول ليحذر منه ويتعظ به، ومثله قول أشجع:
شدّ الخطام بأنف كلّ مخالفٍ ... حتّى استقام له الّذي لم يخطم
تعوّد ألاّ تقضم الحبّ خيله ... إذا الهام لم ترفع جنوب العلائق
العلائق: المخالي التي يجعل فيها الشعير، وتعلق على الدابة.