معجز احمد (صفحة 331)

أتى الظّعن حتّى ما تطير رشاشةٌ ... من الخيل إلاّ في نحور العواتق

الظعن: جمع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج. وروى: أتى الطعن بالطاء. والرشاش: ما تطاير من الدم. الواحدة رشاشة: والعواتق: النساء الأبكار، الواحدة عاتق.

يقول: إن سيف الدولة ألجأهم إلى رحلهم والتواري في خدور العواتق، واقتحم عليهم بخيله وسط نسائهم، وكانت الخيل تطعنهم فيطير الدم في نحور العواتق.

وفي رواية الطاء: طاعن الأعداء وهم في بيوتهم، فهذا معنى إتيان الطعن حتى يطير رشاشه في نحور النساء.

بكلّ فلاةٍ تنكر الإنس أرضها ... ظعائن حمر الحلي حمر الأيانق

المعنى: أنهم فروا بنسائهم إلى كل فلاة لم يطأها الإنس قبلهم، وكانت فيها نساء حمر الحلي: أي أن حليهم ذهب، وأيانقهن حمر، يعني: أنهن نساء ملوك وأرباب نعمة.

وقيل: أراد بقوله. حمر الحلي أنهن مختضبات بالدماء التي ترششت عليهن من رجالهن في نحور العواتق.

وملمومةٌ سيفيّةٌ ربعيّةٌ ... تصيح الحصى فيها صياح اللّقالق

أي كتيبة ملمومة: وهي المجتمعة. وسيفية: منسوبة إلى سيف الدولة؛ لأنهم جنده وأصحابه. وقوله: ربعية: منسوبة إلى ربيعة: يعني هم من بني ربيعة ليس فيهم غيرهم وإنما هم قومه وبنو عمه. واللقالق: جمع لقلق وهو طائر معروف. وفاعل تصيح: هو الحصى. وروى: يصيح الحصى أي الملمومة تحمله على الصياح. والهاء في فيها للفلاة.

يقول: إن هذه الملمومة إذا سارت في الحصى حكى وقع حوافرها فيه، صوت اللقالق.

وقيل: معناه أنها قد لبست التجافيف والدروع، وإذا وقعت حصاة عليهم طنت في الحديد والدروع، فأشبهت صياح اللقالق. وملمومة عطف على قوله ظعائن يعني أنهم فروا بظعائنهم إلى الفلوات، وسار سيف الدولة في طلبهم بخيله، وكان في كل فلاة ظعائنهم وخيل سيف الدولة تطلبهم. وهذا التشبيه من قول الشاعر:

تصيح الرّدينيّات فيها وفيهم ... صياح بنات الماء أصبحن جوّعاً

بعيدة أطراف القنا من أصوله ... قريبة بين البيض غبر اليلامق

هذا من صفة الملمومة.

يقول: هي بعيدة أطراف القنا من أصوله. يعني طويلة الرماح فأطرافها بعيدة من أصولها، وهي قريبة بين البيض: أي مجتمعة مزدحمة. والبيض: الذي على رءوسها يمس بعضها بعضاً بتزاحم الخيل. وهي غبر اليلامق: أي أن الغبار قد علاها. واليلامق: جمع يلمق، وهي جبة يكثر حشوها وتضرب وتلبس مثل الجوشن. وربما يجعل فيما بينها دروع.

وقيل: اليلمق: القباء، وإنما مدح بطول الرماح؛ لأن تمام الفروسية بحسن استعمالها.

وقوله: غبر اليلامق كان الوجه غبراء اليلامق كقوله قريبة وبعيدة، ولكنه حمله على المعنى؛ لأن الكتيبة جماعة، والأوليان محمولة على اللفظ. وقيل: رده إلى كل جزء من الكتيبة، كما يقال: امرأة واضحة اللباب.

نهاها وأغناها عن النّهب جوده ... فما تبتغي إلاّ حماة الحقائق

حماة الحقائق: هم الشجعان الذين يحمون ما يحق حمايته. والهاء في نهاها وأغناها للملمومة. وفاعل تبتغي ضميرها أيضاً.

يقول: إن سيف الدولة نهى الكتيبة عن الإغارة وأغناهم بجوده عن الاشتغال بالنهب، فهم لا يلتفتون إلى الأنهاب والأسلاب، وإنما قصدهم الأبطال والفرسان الحامون للحقائق.

توهّمها الأعراب سورة مترفٍ ... تذكّره البيداء ظلّ السّرادق

السورة: الوثبة. وقيل: هي الحرب ها هنا. والمترف: المتنعم. والسرادق: ما أحاط بالخيمة مثل السور. والهاء في توهمها ضمير الحرب، وقيل: ضمير السورة. وتذكره: تفسير لها.

يقول: ظن الأعراب أنك إذا سرت خلفهم تعبت، وأن سورتك مثل سورة كل متنعم، لا يصبر على الحر، فإذا حصل بالبيداء تذكر لين العيش، فتركهم وانصرف.

فذكّرتهم بالماء ساعة غبّرت ... سماوة كلبٍ في أنوف الحزائق

فذكرتهم بالماء: الباء فيه زائدة، أي ذكرتهم الماء. والسماوة: مفازة بين الشام والعراق، وأضافها إلى بني كلب لأنهم ينزلونها، وهي أصعب البرية. وغبرت: أي ركب عليها الغبار. والحزائق: الجماعات والواحد حزيق وحزيقة.

يقول: إنهم توهموا أنك لا تصبر على البادية فتنصرف سريعاً، كما يفعل كل مترف فكذبت ظنونهم وطردتهم، حتى إذا بلغوا السماوة، وثار غبارها فدخل في أنوف جماعتهم، عطشوا فتذكروا الماء من شدة ما لحقهم من العطش.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015