معجز احمد (صفحة 329)

وقيل: إن هذه البلاد من بلاد الشام، والحصى: أراد به الفسيفساء تكون بتلك البلاد. والأول هو الأظهر.

سقتني بها القطربّليّ مليحةٌ ... على كاذبٍ من وعدها ضوء صادق

الكناية في بها للبلاد أو للثوية. وقطربل: قرية من قرى بغداد، والقطربلي: الخمر المنسوبة إلى قطربل.

يقول: سقتني في هذه البلدة امرأة مليحة، وكانت الساقية المليحة تعدني من وصلها مواعيد كاذبة، تشبه الصدق؛ لحسن لفظها وطيب كلامها.

وقيل: إنه أراد أنه رآها في النوم تسقيه الشراب، وتعده الوصال، وكان كاذباً وإن كان في صورة الحق.

سهادٌ لأجفانٍ وشمسٌ لناظرٍ ... وسقمٌ لأبدانٍ، ومسكٌ لناشق

نشق الطيب: إذا طلبت رائحته.

يقول: قد اجتمعت في هذه المليحة هذه الأوصاف، فهي سهاد لأجفان العشاق، لأنهم لا ينامون شوقاً إليها، وشمس للناظرين إليها؛ من جمالها وحسنها، وسقم لأبدان العشاق؛ لأنهم يذوبون من حبها وتبلي أجسامهم شوقاً إليها، ومسك لناشق، يعني أنها طيبة البدن، فمن شمها وجد فيها رائحة المسك.

وقيل: أراد بها الخمر؛ لأنه تسهد لشربها، وشمس؛ للونها وسقم عند شربها، ومسك؛ لطيب رائحتها.

وأغيد تهوى نفسه كلّ عاقلٍ ... عفيفٍ ويهوي جسمه كلّ فاسق

الأغيد: الناعم الجسم، الطويل العنق، مع لين ونعومة. وهو رفع عطف على قوله: مليحة. أو على قوله: سهاد. وذكر قوله أغيد؛ لأنه أراد به شخصاً أغيد.

يقول: هو حسن الخلق والخلق، فالعاقل العفيف يهواه؛ لحسن خلقه وكمال عقله. والفاسق يهوى جسمه لحسن خلقه وملاحة وجهه.

وقيل: معناه سقاني الخمر المليحة الجامعة للصفات الأربع في البيت قبله، غلام أغيد، صفته كذا وكذا.

أديبٌ إذا ما جسّ أوتار مزهرٍ ... بلا كلّ سمعٍ عن سواها بعائق

أديب: رفع لأنه نعت لأغيد، أو بدل عنه. والمزهر: العود الذي يستعمل في الغناء وجس: أي مس. وبلا: أي جرب وامتحن.

يقول: إذا جس أوتار العود، شغل كل سمع عن الإصغاء إلى غيره؛ لحسن ضربه وجودة غنائه وصوته.

يحدّث عمّا بين عادٍ وبينه ... وصدغاه في خدّي غلامٍ مراهق

يقول: هو أديب يحفظ أيام الناس وأشعارهم، ويخبر بالأخبار القديمة التي كانت بينه وبين أيام عاد، وهو بعد مراهق حديث السن.

وما الحسن في وجه الفتى شرفاً له ... إذا لم يكن في فعله والخلائق

يقول: حسن الوجه لا يكسب لصاحبه شرفاً؛ ما لم يكن معه حسن الفعل وكرم الأخلاق.

وما بلد الإنسان غير الموافق ... ولا أهله الأدنون غير الأصادق

يقول: ليس بلد الإنسان إلا ما يوافقه، فلا تلتفت إلى وطنك إذا لم يوافقك، وحسنت في غيره حالك، وليس أهل الإنسان وأقاربه الأدنون إلا كل من يصادقه في المودة، فكل إنسان يصادقك فهو قريبك.

وجائزةٌ دعوى المحبّة والهوى ... وإن كان لا يخفى كلام المنافق

جائزة: قيل نافذة، وقيل: ممكنة.

يقول: دعوى المحبة من غير معنىً ربما تجوز وتنفذ، وإن كان كلام المنافق لا يخفى عليك.

وكان جماعة من شيوخ بني كلاب جاءوا وطرحوا أنفسهم على سيف الدولة وتضرعوا إليه. لما قصد لهم فقال: هؤلاء يدعون حبك وهذه الدعوى تنفذ منهم وإن كانوا منافقين في ذلك.

وقيل: معناه أن الإنسان يمكنه أن يظهر المودة بلسانه، وقلبه على خلافه، ولكنه لا يقدر أن يخفي نفاقه.

برأي من انقادت عقيلٌ إلى الرّدى ... وإشمات مخلوقٍ، وإسخاط خالق؟

من استفهام، وهو في موضع الجر باضافة رأى إليه وعقيل: قبيلة. والشماتة: الفرح ببلية العدو.

يقول: بتدبير من أظهرت عقيل عصيان سيف الدولة؟ فإنه أوقعها في الهلاك، وأشمت بها أعداءها، وأسخط خالقها.

أرادوا عليّاً بالّذي يعجز الورى ... ويوسع قتل الجحفل المتضايق

يقول: قصدوا عليا بالأمر الذي يعجز الخلق عن إيقاعه به؛ لأنهم أرادوا قتله والخروج من طاعته، وذلك يعجز الناس ولا يقدر عليه أحد، ولو أراد الجيش العظيم المجتمع الذي تضيق به الأرض لكثرته، أن يفعلوا ذلك لقتلوا دونه، حتى تتسع الأرض، وأراد بالمتضايق: المجتمع.

فما بسطوا كفّاً إلى غير قاطع ... ولا حملوا رأساً إلى غير فالق

يقول: بسطوا أيديهم إلى من يقطعها! وحملوا رءوسهم إلى من يشقها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015