متى عاود الجالون عاودت أرضهم ... وفيها رقابٌ للسّيوف وهام
الجالون: الذين تركوا بلادهم هرباً منه، الواحد: جال.
يقول: متى عاود الذين هربوا عن بلادهم من الروم إليها؛ عاودت أرضهم بالغارة والقتل، وتكون الرقاب التي ضربتها بسيوفك والهام التي فلقتها بعد، ساقطة لم تبل.
يصف قرب المدة التي يعاودهم فيها.
وقيل: معناه أنهم متى عاودوا أرضهم وحصلوا فيها، وعلمت أن هناك رقاباً تضربها، وهاما تفلقها، فإنك تعود إليهم؛ لأنك إنما تركت غزوك لجلائهم عنها.
وربّوا لك الأولاد حتّى تصيبها ... وقد كعبت بنتٌ وشبٌ غلام
كعبت الجارية: إذا نتأ ثديها وشب الغلام: ارتفع سنه، وأخرج من الصبي.
يقول: إن هؤلاء الروم يربون أولادهم لتسبيهم وتأخذهم في أحسن أحوالهم، وهو إذا كعبت الجارية، وارتفع سن الغلام، أي عاقبة أمرهم تعود إلى ذلك.
جرى معك الجارون حتّى إذا انتهوا ... إلى الغاية القصوى جريت وقاموا
يقول: إن الكرام جاروك في مضمار المجد، فلما انتهوا إلى أقصى الغاية وقفوا، وجريت أنت وحدك، لم يجارك أحد بعد.
وقيل: أراد أنهم جروا معك إلى المجد في المعركة، إلى أن اشتد القتال فقاموا، وجريت أنت.
فليس لشمسٍ مذ أنرت إنارةٌ ... وليس لبدرٍ مذ تممت تمام
يقول: أنت أنور من الشمس، وأكمل في الخصال من البدر، فخفي بنورك نور الشمس، وانتقص بكمالك كمال البدر.
وقيل: أراد بالشمس والقمر، ملوك عصره وكرام دهره، أي أنه أشرق عليهم وطمس معالم أفعالهم ومكارم خصالهم.
وتجمعت عامر بن صعصعة، وعقيل، وقشير، وعجلان وأولاد كعب ابن ربيعة بن عامر، بمروج سلمية، وكلاب بن ربيعة بن عامر ومن ضامهم بماء يقال له الزرقاء، بين خناصرة وسورية، ونمير بن عامر بدير دينار من الجزيرة وتشاركوا ما يلحقهم من سيف الدولة وتوافقوا على التذام فيما بينهم، وشغله من كل ناحية والتناصر إن قصد طائفة منهم، وبلغه ما عملوا عليه، وأقل الفكر فيهم، فأطغاهم كثرة عددهم وعددهم، وسولت لهم أنفسهم الأباطيل، واستوىل على تدبير كعب عقيلها، وحسن ذلك لهم قواد كانوا في عسكر سيف الدولة، فسار إليهم وظفر بهم فقال أبو الطيب يذكر ما جرى ويمدحه سنة أربع وأربعين وثلاث مئة.
تذكّرت ما بين العذيب وبارق ... مجرّ عوالينا ومجرى السّوابق
العذيب: اسم ماء لبني تميم. وبارق: اسم موضع. والمجر: يجوز أن يكون موضع الجر، وأن يكون مصدراً. والمجرى: بفتح الميم موضع الجر، ومصدر كالجري. وبالضم: موضع الأجراء ومصدر كالإجراء، وقد روى: مجرى السوابق بضم الميم وفتحها وما في قوله: ما بين العذيب قيل: اسم في موضع نصب بتذكرت، ومجر عوالينا: بدل عنه. ومجرى: عطف عليه، ويجوز أن يكون صفة له.
والمعنى: تذكرت الموضع الذي بين العذيب وبارق بعد مفارقتي له، وكان ذلك الموضع مجر رماحنا ومجرى خيلنا: إما لعباً أو حرباً. وقيل ما زائدة وبين ظرف ومجر بعده نصب بتذكرت: أي لما حصلت بين العذيب وبارق تذكرت هناك جر رماحنا وإجراء خيلنا.
وصحبة قومٍ يذبحون قنيصهم ... بفضلات ما قد كسّروا في المفارق
يقول: تذكرت صحبة قوم أبطال، إذا قنصوا صيداً ذبحوه ببقايا سيوفهم التي كسروها في رءوس أعدائهم.
وليلاً توسّدنا الثّويّة تحته ... كأنّ ثراها عنبرٌ في المرافق
توسدنا الثوية: أي اتخذناها وسادة، والثوية: أرض بالكوفة. والثرى: التراب الرطب والهاء في ثراها للثوية وفي تحته لليل، وقيل: للثوية، إذ هو في معنى الرمل. وليلاً: عطف على ما قبله، وتوسدنا الثوية جملة من فعل وفاعل في موضع نصب صفة الليل، وقوله: كأن ثراها: في موضع النصب على الحال.
يقول: تذكرت ليلة كنا بالثوية وضعنا رءوسنا على ثراها، فكان ثراها الملتزق بمرافقنا عنبر لطيبه.
بلادٌ إذا زار الحسان بغيرها ... حصى تربها ثقّبنه للمخانق
الحسان: منصوب بزار، والهاء في بغيرها تعود إلى البلاد، وحصى: في موضع رفع لأنه فاعل زار. وأراد بالحصى: الفصوص الغروية التي تحمل من الغرى: وهو بناء عظيم بظهر الكوفة، وعنده مشهد علي أمير المؤمنين رضي الله عنه.
يقول: إن الثوية بلاد إذا حمل حصى هذه البلاد إلى النساء اللواتي هن بغير هذه البلاد، فإنهن يثقين هذا الحصى ويجعلنه في مخانقهن، لحسنه وصفائه.