معجز احمد (صفحة 327)

يقول: إن حلاوات النفوس تغر القلوب، حتى تختار قلوب بعض الناس العيش والذل، وهو مثل الموت.

وشر الحمامين الزّؤامين عيشةٌ ... يذلّ الذي يختارها ويضام

الزؤام: السريع.

يقول: العيش في الذل أحد الحمامين السريعين، وهو أشرهما.

فلو كان صلحاً لم يكن بشفاعةٍ ... ولكنّه ذلّ لهم وغرام

يقول: هذا الصلح ليس بصلح، وإنما هو ذل لهم وعقوبة وغرامة يحملونها لك؛ لأن الصلح لا يكون بالشفاعة وإنما يكون صلحاً إذا استوى فيه الفريقان وأراجه الخصمان.

ومنّ لفرسان الثّغور عليهم ... بتبليغهم ما لا يكاد يرام

الثغر: موضع المخافة.

يقول: هذا الصلح ذل لهم وغرام، وتفضل لفرسان الثغور من المسلمين عليهم، حيث ساروا معهم إليك، وبلغوهم إلى ما ما لا يكاد يطلب منك، فلولا أنهم صحبوا لهم، لم يقدروا على الوصول إليك.

كتائب جاءوا خاضعين وأقدموا ... ولو لم يكونوا خاضعين لخاموا

يقول: إنما أقدموا عليك لأنهم جاءوك خاضعين سائلين، ولو كانوا محابين لم يجسروا على الإقدام، فيكون المراد بالكتائب: رسل الروم.

وقيل: أراد به فرسان الثغور.

كتائب جاءوا إليك خاضعين متشفعين للروم، ولو لم يكن كذلك لجبنوا عن الحروب، وعن الوصول إليك.

وعزّت قديماً في ذراك خيولهم ... وعزّوا، وعامت في نداك وعاموا

يقول: لما وصلوا إليك أمنوا وعزوا، واستراحت خيلهم، وأفضلت عليهم حتى عاموا في نعمك وإحسانك، ولم تزل تفعل ذلك بهم في قديم من الزمان إذا صدروا إليك واستذموا بجوارك. والمراد به الرسل.

وعلى الثاني: أن أهل الثغور عزوا بك وعاموا في نداك قديماً وحديثاً؛ لأنك أهل ثغر المسلمين.

على وجهك الميمون في كل غارةٍ ... صلاةٌ توالي منهم وسلام

قوله: توالى أصله تتوالى، منهم. قيل: الضمير يرجع إلى الروم، ومعناه: قد عمهم فضلك وإحسانك وبهرهم إقدامك، وكلما أغرت عليهم ورأوا وجهك دعوا لك وأتبعوك بالسلام، لما يروا من جمالك وشجاعتك، مع إغارتك عليهم وقتلك إياهم، وهو مثل قوله:

ومن شرف الإقدام

وقيل: إن الضمير في منهم يعود إلى فرسان الثغور، أراد صلاتهم وسلامهم عليك يتصل في كل غارة تكون لك على الروم.

وكلّ أناسٍ يتبعون إمامهم ... وأنت لأهل المكرمات إمام

يقول: كل أحد يقتدى بغيره في المكارم، وأنت إمام لأهلها، فكل كريم يقتدى بك في المكارم. ويشبه قوله أيضاً:

يمشي الكرام على آثار غيرهم ... وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع

وربّ جوابٍ عن كتابٍ بعثته ... وعنوانه للنّاظرين قتام

القتام: الغبار وعنوان الكتاب: ما يكتب على ظهره.

يقول: ربما كتب إليك ملك الروم كتاباً قبل هذه المرة، فقصدته بجيشك، وجعلته جواب كتابه، فصار غباره يدل عليه، كما يدل العنوان على الكتاب: ممن هو؟ وإلى من هو؟

تضيق به البيداء من قبل نشره ... وما فضّ بالبيداء عنه ختام

يقول: هذا الجواب الذي بعثته هو الجيش تضيق به البيداء من قبل نشره عن كتائبه ولم يفض عنه ختمه يعني: أنه ما تفرق أو هو مجتمع غير منتشر.

حروف هجاء النّاس فيه ثلاثةٌ: ... جوادٌ، ورمحٌ ذابلٌ، وحسام

يقول: حروف هذا الكتاب ثلاثة: فرس جواد، ورمح ذابل، وسيف قاطع، لما جعل الجيش كتاباً جعل حروفه هذه الثلاثة.

أذا الحرب قد أتعبتها فاله ساعةً ... ليغمد نصلٌ أو يحلّ حزام

يقول: إنك قد أتعبت الحرب، يعني أهلها بكثرة إنهاضهم لها، فاتركها ساعة ليستريح الناس ويغمدوا سيوفهم ويحلو حزم خيلهم، ويحطوا سروجها.

وقوله: أذا الحرب قيل: الهمزة للنداء: أي يا ذا الحرب. وقيل: هو إذا يعني: إذا أتعبت الحرب.

وإن طال أعمار الرّماح بهدنةٍ ... فإنّ الّذي يعمرن عندك عام

الهدنة: الصلح وعمر الرجل يعمر: إذا طال عمره.

يقول: أطول أعمار الرماح بصلحك معهم عام واحد، ثم تعود إلى قتالهم فتقصر أعمار الرماح بالكسر والحطم، لأنك لا تصبر على قتالهم، فلا تعقد الهدنة إلا سنة واحدة.

وما زلت تفني السّمر وهي كثيرةٌ ... وتفني بهنّ الجيش وهو لهام

جيش لهام: أي كثير يلتهم كل شيء ويبتلعه.

يقول: لم تزل تكسر الرماح بالطعن وتفني بها الجيش، أي ذلك عادتك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015