الغرض بالبيت: أن الشجاع يثبت ما دام يطمع في الظفر ويرجو النصر، وكذلك العاقل الحازم، يقف متى رأى مخايل النصر وأمارات الظفر، فإذا اشتد الأمر وأيقن كل واحد بالموت طلب النجاة بالفرار، وسيف الدولة تجاوز هذه المنزلة، فهو يقف في المواقف التي لا يشك الحازم والشجاع في الهلاك فيها، كأنه عالم بالغيب وعواقب الأمور.
وقوله: إلى قول قوم يعني: أن الناس لما رأوا مقامه وثباته في المواطن التي لا يشك أحد فيها بالقتل قالوا: إنه عالم بالغيب! ولولا ذلك لم يقف، وقد فر كل شجاع.
ضممت جناحيهم على القلب ضمّةً ... تموت الخوافي تحتها والقوادم
يقول: حملت على الميمنة والميسرة فضممتهما على القلب ورددتهما إليه، حتى سقط بعضهم على بعض.
جعل الميمنة والميسرة جناحين وشبه الأبطال المقدمين بقوادم الجناح، والأتباع والحشو بالخوافي.
بضربٍ أتى الهامات والنّصر غائبٌ ... وصار إلى اللّبّات والنّصر قادم
الباء في بضرب متعلقة، قيل بقوله: تموت.
يقول: نازلت العدو وضربته بالسيف والنصر غائب، فلما بلغ الضرب إلى اللبات قدم النصر.
يصف بذلك سرعة الهزيمة ووقوع النصر بعدها، وأنه كان بين غيبته وقدومه، قدر نزول السيف من الهامة إلى اللبة، فكأنه يقول: لم يصل سيفك إلى نحورهم حتى نصرت عليهم.
وقال ابن جني: يقول. إذا ضربت عدوك، فحصل سيفك في هامته، فلا تعتد ذلك نصراً، حتى يصل السيف إلى اللبة، فحينئذ يكون ذلك نصراً، ولا ترضى بدونه.
حقرت الرّدينيّات حتّى طرحتها ... وحتّى كأنّ السّيف للرّمح شاتم
تركت الطعن بالرماح، ورجعت إلى الضرب بالسيوف، حتى كأنك حقرت الرماح وعدلت عنها إلى السيوف؛ لأنها أنكى في العدو، وكأن سيف رأى عجز الرماح وقلة غنائها فشتمها وعابها.
ومن طلب الفتح الجليل فإنّما ... مفاتيحه البيض الخفاف الصّوارم
البيض، الخفاف، الصوارم كلها صفات للسيوف.
يقول: من أراد الوصول إلى الفتوح العظيمة، فإنما يصل إليها بالسيوف، ولما جعل المطلوب فتحاً جعل السيوف مفاتيحه؛ لأن بها يوصل إلى ما وراء الباب من المقاصد.
نثرتهم فوق الأحيدب نثرةً ... كما نثرت فوق العروس الدّراهم
الأحيدب: موضع، وقيل: اسم الجبل الذي عليه مدينة الحدث.
يقول: إنك قتلتهم في كل موضع من هذا الجبل، ونثرتهم عليه كما تنثر الدراهم فوق العروس.
شبه الأحيدب بالعروس؛ لأنه قد اختضب بالدم، كالعروس في المصبوغات والمجاسد، وشبه القتلى بالدراهم؛ لبياض جثتهم حولها، ونثرهم: بنثرهم الدراهم فوق العروس.
تدوس بك الخيل الوكور على الذّرى ... وقد كثرت حول الوكور المطاعم
يقول: صعدت على رءوس الجبال إليهم فقتلتهم هناك، حتى كثرت المطاعم للطيور في رءوس الجبال، وكانت الخيل تطأ وكور الطير التي كانت في الجبال وحولها القتلى مطروحة. وقوله تدوس بك: أي تطأ وأنت عليها.
تظنّ فراخ الفتخ أنّك زرتها ... بأمّاتها وهي العتاق الصّلادم
الفتخ: العقبان، والواحد أفتخ، وفتخاء، وهي عتاق الطير كالبازي والعقاب؛ سميت بذلك للين أجنحتها وانعطافها، والأمات: جمع الأم، فيما لا يعقل، وفيمن يعقل أمهات والمراد بالعتاق: الخيل الكرام والصلادم: جمع صلدم، وهو الفرس الصلب الشديد.
يقول: لما صهلت الخيل ظنت فراخ النسور أنك زرتهن أمهاتهن؛ لاشتباه أصوات الخيل بها في بعض الأوقات، ولذلك قال الاخر:
إذا الخيل صاحت صياح النّسور
وقيل: شبه الخيل بالنسور من جهة السرعة والضمور.
إذا زلقت مشّيتها ببطونها ... كما تتمشّى في الصّعيد الأراقم
الصعيد: وجه الأرض. والأراقم: الحيات.
يقول: إذا زلقت الخيل من رءوس الجبال لملاستها وقلة استقرار قوائمها عليها، انسابت فيها على بطونها كما تنساب الحيات في الأرض والتراب.
أفي كلّ يوم ذا الدّمستق مقدمٌ ... قفاه على الإقدام للوجه لائم
وروى أيضاً: أفي كل يوم للدمستق مقدم، أي إقدام.
يقول: الدمستق كل يوم مقبل، فيقدم على لقائك ثم ينهزم من بين يديك، فيلوم قفاه وجهه فيقول: إلى كم تعرضني للجراحة ولا تكتفي بما تقدم من الانهزام؟!
أينكر ريح اللّيث حتّى يذوقه ... وقد عرفت ريح اللّيوث البهائم