يقول: إن الدمستق لا يزال يتعرض لك حتى تقتله أو تأسره، ولو كان له عقل لكفاه ما رأى من شجاعتك وهزمك إياه، والبهائم أعقل منه، لأنها تعرف ريح الليث من بعيد فتتباعد عنه.
وقد فجعته بابنه وابن صهره ... وبالصّهر حملات الأمير الغواشم
الغواشم: جمع غاشمة، وأصله الظلم، وهي ها هنا القهر والغلبة.
يقول: لو كان له تمييز أو عقل، لم يتعرض لك بعد ما رأى من فعلك بابنه، حيث أسرته وقتلت أيضاً صهره وابن صهره.
مضى يشكر الأصحاب في فوته الظّبا ... لما شغلتها هامهم والمعاصم
المعاصم: جمع المعصم، وهو الذراع.
يقول: مضى الدمستق هارباً، وهو يشكر أصحابه حيث شغلوا المسلمين عنه؛ بأن مكنونهم من قتلهم، واستغنت السيوف برءوسهم ومعاصمهم، فكان سبب نجاته ذلك.
ويفهم صوت المشرفيّة فيهم ... على أنّ أصوات السّيوف أعاجم
فيهم: أي في الأصحاب.
يقول: كان الدمستق إذا سمع صليل السيوف في أصحابه عرف ما تفعله، وإن لم يكن لها ألسنة. وأخذ هذا المعنى المعري وشرحه فقال.
وقد تنطق الأسياف وهي صوامت ... وما كلّ نطق المخبرين كلام
ثم قال من عنده:
كفى بخطاب المشرفيّة مخبراً ... بأنّ رءوساً قد شققن وهام
يسرّ بما أعطاك لا من جهالةٍ ... ولكنّ مغنوماً نجا منك غانم
يقول: إن الدمستق يسر بما سلم إليك من أصحابه وأمواله؛ لسلامته منك، لأن المغنوم إذا نجا منك كان غانماً.
ولست مليكاً هازماً لنظيره ... ولكنّك التّوحيد للشّرك هازم
يقول: لست ملكاً كسائر الملوك في فعلك بالدمستق، حتى يقال: ملك هزم نظيره من الملوك، ولكن أنت موحد وهو مشرك، فكأن التوحيد هزم الشرك وقهره، لما ظفرت على الدمستق وقهرته.
تشرّف عدنانٌ به لا ربيعةٌ ... وتفتخر الدّنيا به لا العواصم
عدنان: أصل العرب. وربيعة: قبيلة سيف الدولة. والعواصم: حصون بالشام، وهي دار ممتلكته.
يقول: إن جميع العرب تتشرف به، لا قبيلته وحدهم، وكذلك الدنيا كلها تفتخر به، لا العواصم التي هي ممالكه.
لك الحمد في الدّرّ الّذي لي لفظه ... فإنّك معطيه وإنّي ناظم
يقول: الحمد لله. الذي أقوله في شعري ليس هو حمدي إياك، بل هي مكارمك ووصفتها في شعري، وحسن بها قولي، فكأنها در أعطيتنيه فنظمته، فلك المعنى ولي اللفظ، فالحمد لك.
وإنّي لتعدو بي عطاياك في الوغى ... فلا أنا مذمومٌ ولا أنت نادم
يقول: إنك أعطيتني في عطاياك الخيل، وهي تعدو بي في الحرب، وأقاتل بها بين يديك، فلست أنا مذموماً لتقصيري عن طاعتك وترك القتال بين يديك، ولا أنت نادم على عظم نعمتك علي بالخيل وغيرها من النعم.
وقيل: لست مذموماً بهذا الشكر وذكر عطاياك الكريمة، ولا أنت نادم على ما فعلت من اتصال شكري.
على كلّ طيّارٍ إليها برجله ... إذا وقعت في مسمعيه الغماغم
الغماغم: الأصوات في الحرب. والهاء في إليها يرجع إلى الوغى إذ الحرب مؤنثة.
يقول: تعدو بي عطاياك على كل طائر يطير برجله، خلاف سائر الطير، وأراد به الفرس إذا سمع صوت الحرب طار إليها ولا يقف.
ألا أيّها السّيف الّذي لست مغمداً ... ولا فيك مرتابٌ ولا منك عاصم
يقول: لست كسائر السيوف في أنها تغمد مرةً وتصلت أخرى، بل أنت مجرد أبداً، تنصر الدولة وتذب عنها وتحامي دونها، ولا يشك أحد في أنك بهذه الصفة، ومن طلبته لم يعصمه منك عاصم ولم يمنعه مانع. ومرتاب: يجوز أن يكون اسم الفاعل من ارتاب، ويجوز أن يكون مصدراً كالارتياب.
هنيئاً لضرب الهام والمجد والعلا ... وراجيك والإسلام أنّك سالم
يقول: هنيئاً لهذه الأشياء سلامتك؛ لأن سلامتها بك، وبقاؤها ببقاؤك؛ لأنك تحامي دونها وتذب عنها.
ولم لا يقي الرّحمن حدّيك ما وقى ... وتفليقه هام العدا بك دائم؟
يقول: أنت سيف ماض، تنصر الإسلام ودين الله، وتضرب رءوس أعداء الله تعالى، فكيف لا يقيك الله تعالى كل مكروه؟ ولا يدفع عن حديك كل محذور. ولما جعله سيفاً جعل له حدين. وما في قوله: ما وقى ظرف.
وورد على سيف الدولة فرسان طرسوس وأذنة والمصيصة، ومعهم رسول ملك الروم، في طلب الهدنة يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاث مئة.