ولا في فقدهنّ بني كلابٍ ... غذا أبصرن غرّتك اغتراب
يقول: إنهن إذا رأين غرتك وصرن عندك فلا يضرهن فقدانهن أهلهن، وليس اغتراب وبعد، لأنك منهن.
وكيف يتمّ بأسك في أناسٍ ... تصيبهم فيؤلمك المصاب؟
يقول: كيف تقدر على أن تعاقبهم وتوقع بهم؟ فإنك إذا أصبتهم تألمت بما يصيبهم من الضرر، لكونهم منك.
والمصاب: يجوز أن يكون مصدراً كالإصابة، وأن يكون مفعولا، وهذا البيت مثل قول الحارث بن وعلة الذهلي:
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي
ونحو قول الآخر:
وإنّي وإن عاديتهم وجفوتهم ... لتألم ممّا عضّ أكبادهم كبدي
ترفّق أيّها المولى عليهم ... فإنّ الرّفق بالجاني عتاب
يقول: أنت سيدهم فتجاوز عنهم، ولا تعجل لهم في العقوبة، فإن رفقك بهم يردهم إلى طاعتك، ويقوم لهم مقام اللوم.
وإنّهم عبيدك حيث كانوا ... إذا تدعو لحادثةٍ أجابوا
يقول: ترفق بهم وتجاوز عنهم، فإنهم عبيدك وقومك، متى دعوتهم إلى حرب ونازلة أجابوك.
وعين المخطئين هم وليسوا ... بأوّل معشرٍ خطئوا فتابوا
يقول: هم حقيقة المخطئين في خروجهم عليك، غير أنهم تابوا وأذعنوا لك، كما أخطأ غيرهم ثم تاب، وليسوا بأول من فعل مثل ذلك.
وأنت حياتهم غضبت عليهم ... وهجر حياتهم لهم عقاب
يقول: إن حياتهم بك، لأنك تعطيهم ما تقوم به حياتهم من المال، فإذا غضبت عليهم زالت عنهم حياتهم، فكفاهم عقوبة أن تغضب عليهم، فإن ذلك كالموت لهم.
وما جهلت أياديك البوادي ... ولكن ربّما خفي الصّواب
الأيادي، النعم، واحدتها يد، والبوادي قيل: هي جمع بادية، وهم العرب الذين ينزلون البدو، فيكون في موضع الرفع، لأنها فاعلة جهلت والمعنى: أن أهل البدو، الذين هم بنو كلاب مقرون بإحسانك إليهم، غير جاهلين نعمك عليهم، ولكن خفي الصواب عليهم حين قاتلوك، وكان ذلك سهواً منهم من غير قصد.
وقيل: البوادي. الظاهرة من النعم أو المتقدمة منها، فهي صفة للأيادي في موضع النصب، وسكن الياء ضرورة، فيكون على هذا فاعل جهلت ضمير القبيلة التي هي بنو كلاب، يعني: أنهم لا ينكرون نعمك الظاهرة المتقدمة إليهم.
وكم ذنبٍ مولّده دلالٌ ... وكم بعدٍ مولّده اقتراب؟
يقول: كم ذنب يتولد من الدلال أي الإفراط وتجاوز الحد وكم بعد يتولد من قرب إذا لم يكن معه الأدب ورعاية الحرمة.
والمعنى: أنهم لم يخرجوا عليك إلا ثقة منهم بقرابتك وتدللا بانتسابهم إليك.
وجرمٍ جرّه سفهاء قومٍ ... وحلّ بغير جارمه العذاب
يقول: وكم ذنب يجنيه السفيه، فيعاقب به البريء، ومثله قول بعض العرب:
إنّ الفتى بابن عمّ السّوء مأخوذ
والأصل فيه قوله تعالى: " أًتهْلِكُنَا بِمَا فَعَل السُّفَهآءُ مِنَّا " وقوله تعالى " واتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ".
فإن هابوا بجرمهم عليّاً ... فقد يرجو عليّاً من يهاب
أراد: من يهابه، فحذف المفعول.
يقول: إن هابوه لكونه مهيباً، فإنهم يرجون عفوه، لكونه كريماً.
وإن يك سيف الدولة غير قيسٍ ... فمنه جلود قيسٍ والثّياب
قيس: هو عيلان، وإليه ينسب بنو كلاب مضر.
يقول: إن كان هو سيف دولة بني هاشم، لا سيف دولة قيس، فإن جلود قيس تربت من نعمه، وثيابهم من ماله ومن خلعه.
وتحت ربابه نبتوا وأثّوا ... وفي أيّامه كثروا وطابوا
الرباب: غيم متعلق بالغيم، يضرب إلى السواد، وقيل: هو السحاب الأبيض. وأثوا: تمكنوا وقووا من قولهم أث النبت.
يقول: إنهم نبتوا بفضله وإنعامه، كما نبت العشب بالمطر، وكثروا بدولة أيامه وطالوا.
شبههم بالنبات، وشبهه بالسحاب.
وتحت لوائه ضربوا الأعادي ... وذلّ لهم من العرب الصّعاب
يقول: إنهم بقوته وسلطانه قتلوا أعداءهم، وقهروا العرب، حتى ذلت لهم صعاب العرب وانقادت.
ولو غير الأمير غزا كلاباً ... ثناه عن شموسهم ضباب
الضباب ما يرتفع من البخار، من غدوات الربيع كالسحاب.