يقول: لو قصد بني كلاب غير سيف الدولة، لرده عن شموس بني كلاب ضبابهم. كني بالشموس عن النساء، وبالضباب عن الحرب التي كانت تحول بينهن وبين من يقصد الوصول إليهن، كما يحول الضباب دون الشمس.
وقيل: الضباب، كناية عن الغبار الذي يرتفع عن الخيل، حتى يصير كالضباب، فيصرف عن قصدهن، كما يمنع الضباب شعاع الأمس.
وقيل: عني بالشموس وجوه القوم التي هي كالشمس.
ولاقى دون ثايهم طعاناً ... يلاقى عنده الذّئب الغراب
الثاي: جمع ثاية، وهي الحجارة حول البيت، تبنى فيأوي إليها الراعي ليلاً كأنها الحظيرة، وفاعل لاقى ضمير غير في قوله: غير الأمير والهاء في عنده للطعان.
يقول: كان ينفي ذلك القاصد قبل أن يصل إلى ثايهم طعناً يكثر منه القتلى حتى يجتمع الذئب والغراب على أكل جيفهم وأجسامهم: يعني أنهم يدفعونه عن الوصول إلى حظائر الغنم، فكيف الوصول إلى النساء والحرم؟!
وخيلاً تغتذي ريح الموامي ... ويكفيها من الماء السّراب
تغتدي: من الغذاء والموامي: جمع موماة، وهي الفلاة.
يقول: لاقى دون ثايهم طعاناً وخيلا معودة للقتال، صابرة على الجوع والعطش، حتى تكتفي عن الزرع والعلف، بانتشاق النسيم، وعن الماء بالسراب.
ولكن ربّهم أسرى إليهم ... فما نفع الوقوف ولا الذّهاب
يقول: لكن غزاهم سيف الدولة الذي هو مولاهم وهم عبيده، فلم ينفع منه الوقوف ولا الهرب.
ولا ليلٌ أجنّ ولا نهار ... ولا خيلٌ حملن ولا ركاب
يقول: إنهم لما رأوه تحيروا في أمرهم، ولم يسترهم ليل بظلمته، ولا نهار بضيائه، ولم تحملهم خيلهم وإبلهم.
رميتهم ببحرٍ من حديدٍ ... له في البرّ خلفهم عباب
العباب: صوت الموج. وقيل: عباب كل شيء: أوله.
يقول: رميتهم بجيش كأنه بحر ارتفعت أمواجه لعظمه، ولما عليه من السلاح.
فمسّاهم وبسطهم حريرٌ ... وصبّحهم وبسطهم تراب
روى: فرشهم بدل بسطهم في الموضعين. وفاعل مساهم وصبحهم ضمير البحر الذي هو الجيش.
يقول. أتاهم ليلاً جيشك، وهم على فرش الديباج فأغار عليهم وسلب أموالهم، فأصبحوا جلوساً على التراب، فصار فراشاً لهم! وقيل: أراد أنهم انهزموا، فتبدلوا بعد بسط الحرير، الجلوس على التراب. وهذا قريب من الأول.
قال ابن جني: أراد أن جيشه مساهم فقتلهم فأصبحوا وقد تزملوا بالتراب، وصار بسطهم تراباً بعد ما كان حريراً.
ومن في كفّه منهم قناة ... كمن في كفّه منهم خضاب
يقول: مع شوكتهم، وصبرهم، واجتهادهم، وشجاعتهم، لما رأوك جبنوا وتحيروا، حتى صار الفارس الذي يحمل الرمح كالمرأة التي في يدها خضاب في قلة الغناء والدفع.
بنو قتلى أبيك بأرض نجدٍ ... ومن أبقى وأبقته الحراب
الحراب: جمع حربة وهي رمح قصير.
يقول: كان آباؤهم استعصوا على أبيك فقتلهم، وفعل بآبائهم ما فعلت بهم أنت الآن، وكان أبو سيف الدولة غزا القرامطة الذين هم في الأحساء وقتل منهم وكسر.
فيقول: هؤلاء بنو الذين قتلهم أبوك بنجد، وأبقاهم أبوك وأبقته رماحه. وبنو: خبر ابتداء محذوف: أي هم بنو قتلى أبيك.
عفا عنهم وأعتقهم صغاراً ... وفي أعناق أكثرهم سخاب
السخاب: كالثياب، يلبسه الصبيان، وجمعه سخب. وقيل السخاب: القلادة تنظمها الأعراب من القرنفل، أو حب الحنظل.
يقول: إن أباك كان عفا عن هؤلاء وأعتقهم بعد ما ملكهم، وهم صغار في أعناقهم السخب.
وكلكم أتى مأتى أبيه ... فكلّ فعال كلّكم عجاب
يقول: كل واحد منك ومنهم - أي مثل ما فعل أبوه، فأنت عفوت كما عفا أبوك عن آبائهم، وخضعوا خضوع آبائهم، فما حصل منك من الاقتداء بأبيك عجب! وما حصل منهم من الاقتداء بآبائهم من العصيان عجب! وقيل: وفعلت بهم مثل ما فعل أبوك بآبائهم، وأبوك فعل مثل ما فعل جدك بأجدادهم، وكل فعل منك عجب!
كذا فليسر من طلب الأعادي ... ومثل سراك فليكن الطّلاب
يقول: من طلب الأعادي والظفر بهم، فليسر إليهم كما سريت إليهم أنت، وكذا: إشارة إلى فعل سيف الدولة.