يقول: إن كمك وتقبيله، مكان تتمنى الشفاه الوصول إليه، وتريد الملوك تقبيله ولكنهم لا يصلون إليه.
فما بلّغته ما أراد كرامةٌ ... عليك، ولكن لم يخب لك سائل
كرامة: فاعل بلغته، والمفعول الأول الهاء والثاني ما.
يقول: لم يبلغ الرسول إلى ما بلغه من تقبيل كمك كرامته عليك؛ لأنه كافر وأنت تبغضه وتستخف به، ولكن لما سألك أن تمكنه من ذلك لم تخيبه، إذ عادتك ألا تخيب سائلك.
وأكبر منه همّةً بعثت به ... إليك العدى واستنظرته الجحافل
روى: أكبر بالرفع والنصب.
فالرفع: على أنه اسم المبالغة والمعنى: على أن همة الرسول وإن كانت كبيرة في قدومه عليك، فأكبر همة منه، العدى حيث بعثوا به إليك، وسألوه أن يؤخر عنهم القتال؛ لشغله إياك عنهم، والاستنظار: طلب النظر، وهو التأخير.
والنصب: يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون اسماً كالأول ومعناه: رب رسول أكبر من هذا الرسول همة، وأعلى منه قدراً، جاءك رسولاً، واستنظرته الجحافل، كما استنظرت هذا الرسول، ثم رجع إليهم وهو يعذلهم على مخالفتهم أمرك. فعلى هذا يكون البيت الذي بعده من تمامه.
والمعنى الثاني: أن يكون أكبر فعلاً ماضياً، وفاعله العدى وهمة مفعوله. والمعنى: أن العدى أكبروا واستعظموا همةً بعثت هذا الرسول إليك، وأقدمته على الدنو منك، واستنظرت هذا الرسول الجحافل على ما بيناه
فأقبل من أصحابه وهو مرسلٌ ... وعاد إلى أصحابه وهو عاذل
يقول: هذا الرسول جاء من أصحابه رسولاً، ثم عاد إليهم يعذلهم على ترك طاعتك؛ لما رآه من عظم شأنك.
تحيّر في سيفٍ ربيعة أصله ... وطابعه الرّحمن والمجد صاقل
ربيعة: ابن نذار، وإليه ينسب سيف الدولة.
لما رآك تحير فيك؛ لأنه رأى سيفاً لا كالسيوف، إذ السيف أصله الحديد، وطابعه الحداد، وصاقله الصيقل، وأنت أصلك من ربيعة، والرحمن طابعك، والمجد صاقلك.
وما لونه ممّا تحصّل مقلةٌ ... ولا حدّه ممّا تجسّ الأنامل
يقول: لون هذا السيف لا يدركه النظر، ولا تحققه المقلة، ولا يمكن الناظرين أن يملئوا أعينهم منه، هيبةً له، وكذلك ليس حده مما يمكن أن يختبر باللمس كما يحس ويضبط سيف الحديد. فتحير هذا الرسول في سيف هذه صفته.
إذا عاينتك الرّسل هانت نفوسها ... عليها وما جاءت به والمراسل
المراسل: ملك الروم. والرسل: الرسل. وما جات به: الرسالة.
يقول: إذا رأتك الرسل استحقروا أنفسهم، واستحقروا ما جاءوا به من الرسالة، واستحقروا صاحبهم الذي أرسلهم إليك؛ لما يرون من هيبتك وعلو شأنك.
رجا الرّوم من ترجى النّوافل كلّها ... لديه وما ترجى لديه الطّوائل
النوافل: العطايا، واحدتها نافلة. ومن ترجى: هو سيف الدولة يرجى منه كل عطية وصلة، ويوصل إلى كل مراد، إلا إدراك الثأر، فإنه لا يوصل إليه منه.
فإن كان خوف القتل والأسر ساقهم ... فقد فعلوا ما القتل والأسر فاعل
يقول: إن كان الذي ساقهم إليك لطلب الصلح والأمان، هو الخوف من القتل والأسر، فقد فعلوا في مجيئهم إليك ما يفعله الأسر والقتل، من الذل والاستكانة؛ لأنهم إنما جاءوك خوفاً، فصاروا مقتلين مأسورين.
فخافوك حتّى ما لقتلٍ زيادةٌ ... وجاءوك حتّى ما تزاد السّلاسل
ما نفي في الموضعين.
يقول: خوفهم منك قام لهم مقام القتل، فليس للقتل زيادة على ما أصابهم، وكذلك جاءوك مستسلمين في أمرهم طائعين كالأسارى، حتى لا يحتاج معهم إلى السلاسل؛ لأن الأسير إنما يشد إذا خيف عليه الهر.
والمصراع الأول مثل:
وإلاّ فأعلمه بأنّك ساخطٌ ... ودعه فإنّ الخوف لا شكّ قاتله
أرى كلّ ذي ملكٍ إليك مصيره ... كأنّك بحرٌ والملوك جداول
يقول: كل ملك يصير إلى حضرتك، وينضاف ملكه إلى مملكتك، فكأنك بحر وهم جداول تنصب إلى البحر.
إذا مطرت منهم ومنك سحائبٌ ... فوابلهم طلٌّ وطلّك وابل
الوابل: أشد المطر. والطل: أضعفه.
يقول: إنك تزيد على الملوك في كل حال، فكثير عطاياهم إذا قيست إلى عطاياك قليل، بمنزلة الطل من الوابل، وقليلها منك إذا قيس إلى عطاياهم كثير، كالوابل من الطل.
كريمٌ متى استوهبت ما أنت راكبٌ ... وقد لقحت حربٌ، فإنّك نازل
لقحت حرب: اشتدت.