معجز احمد (صفحة 315)

يقول: أنت كريم بحيث لو سألك سائل في شدة الحرب فرسك الذي أنت راكبه، لنزلت عنه ووهبته له!

أذا الجود أعط النّاس ما أنت مالكٌ ... ولا تعطينّ النّاس ما أنا قائل

أذا الجود: أي يا ذا الجود، والألف للندى.

يقول: الشعر الذي أقوله لا يشركني فيه أحد.

وقيل: أراد لا تقبل منهم.

يقول: يا ذا الجود أعط الناس ما أنت مالك من المال، ولا تعطهم ما اختص به. من القصد لمكان يسرقونه من شعري في مدائحك، ولا تعطهم عليه الجائزة، فإني أنا القائل لذلك في الحقيقة.

وقيل: أراد لا تمكن الناس من مكارمك التي أذكرها في شعري، بل كن أبداً متفرداً بها.

وقيل: معناه لا تحملني على مدح غيرك، فتكون قد تركت شعري للناس.

وقيل: أراد لا تمكن الناس من شعري فيسرقوا معانيه ويفسدوه.

وهذا لا معنى له، إذ لا معنى لسؤاله إياه ستر شعره، ومنعهم من سرقة معانيه؛ لأن ذلك يكون سؤالاً لكتمان فضله، وطلباً لإخفاء ذكره.

أفي كلّ يومٍ تحت ضبني شويعرٌ ... ضعيفٌ يقاويني قصيرٌ يطاول؟!

الضبن: الحضن، وهو ما تحت اليد من الجنب. ويقاويني: من القوة. ويطاول: من الطول.

يقول: لا أزال أرى كل يوم شويعراً هو ضعيف، ومع ذلك يفاخرني في القول، وهو قصير يطاولني بقصره، أي يباريني ولا يقاومني.

وقيل: هذا تعريض بالنامي، وقيل: بابن نباتة. وقيل: أراد غيرهما من شعراء سيف الدولة.

لساني بنطقي صامتٌ عنه عادلٌ ... وقلبي بصمتي ضاحكٌ منه هازل

يقول: لساني مع كوني ناطقاً قادراً على الكلام صامت عن هذا الشويعر، وعادل عنه لقلته وقلة مبالاتي به. وقلبي ضاحك منه ومن جهله مع صمتي عن إجابته. يعني أضحك منه في نفسي وإن لم أنطق بالكلام.

وأتعب من ناداك من لا تجيبه ... وأغيظ من عاداك من لا تشاكل

وروى: أيضاً من ناوأك من المناوأة وهي: المعاداة وناداك أولى لقوله: لا تجيبه ولقوله بعده من عاداك.

يقول: أشد الناس تعباً في ندائه من ناداك وأنت لا تجيبه، بل تجعل السكوت جوابه، وأشدهم غيظاً من عاداك وهو دونك في العمل، فيعجز عن مقاومتك.

وقيل: أراد إذا دعاك من هو دونك غاظك ذلك منه.

وما التّيه طبّى فيهم غير أنّني ... بغيضٌ إليّ الجاهل المتعاقل

التيه: الكبر. وطبى: أي عادتي. وعدمي.

يقول: ليس دائي الكبر، ولم يكن ترك جوابه كبراً وتيهاً، غير أني أبغض الجاهل المتكلف للعقل والفضل، وكرهت مجاوبته رفعاً لنفسي عن مقاومته.

وأكثر تيهي أنّني بك واثقٌ ... وأكثر مالي أنّني لك آمل

يقول: أكثر تيهي أني واثق بك؛ لأنك لا تقبل على قول حاسد، ولا يخفي عليك تمويه مموه، وأنك تعرف فضلي فتوفيني ما أستحقه من المنزلة. وأكثر مالي، هو أملي إياك ورجائي فيك، إذ لا تخيب آمليك.

لعلّ لسيف الدّولة القرم هبّةً ... يعيش بها حقٌّ ويهلك باطل

هبةً: أي نشاطاً واهتزازاً.

يقول: أرجو أن يكون منه هزة في أمري مع غيري من الشعراء الذين ينازعون فضلي، ليظهر الحق ويهلك الباطل، وهو التمويه والكلام المسروق، أو يقتل أعدائي، فأستريح منهم.

وقيل: أراد لعل له هزة وحركة يأخذ بها الروم كلها فيهلكها، فينصر فيها الحق، ويهلك الباطل: وهو الكفر.

رميت عداه بالقوافي وفضله ... وهنّ الغوازي السّالمات القواتل

يقول: رميت أعداءه بقصائدي في سيف الدولة، وفضله فيها، فقتلتهم بها حسداً وغيظاً، وهذه القوافي أسلم من الخلل والفساد من السيوف والرماح؛ لأنهم لم يجدوا في شعري مطعناً، ولا لفضائله مدفعاً.

وقد زعموا أنّ النّجوم خوالدٌ ... ولو حاربته ناح فيها الثّواكل

يقول: الناس يزعمون أن النجوم مخلدة لا يلحقها فناء، وليس كما زعموا، فإنها لو حاربته لقتلها وناح عليها من يثكلها.

وقيل: أراد لو قصدته بنحس لأبطل نحوستها وأفناها، فيبطل قول من قال: إنها خوالد.

وما كان أدناها له لو أرادها ... وألطفها لو أنّه المتناول

يقول: إن النجوم تقرب له إذا أرادها، غاية القرب، ولو أراد أن يتناولها لكانت أقرب الأشياء إليه.

قريبٌ عليه كلّ ناءٍ على الورى ... إذا لثّمته بالغبار القنابل

القنابل: جمع القنبلة وهي الجماعة من الخيل، قدر الخمسين فصاعد. ولثمته: أي شدت عليه اللثام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015