معجز احمد (صفحة 313)

تشبيه جودك بالأمطار غاديةً ... جودٌ لكفّك ثانٍ ناله المطر

يقول: إذا شبهنا جودك بالأمطار، وصار ذلك مدحاً للمطر، وكأن هذا، تشبيه جودك، ثانياً منك على المطر وغادية: نصب على الحال من الأمطار.

تكسّب الشّمس منك النّور طالعةً ... كما تكسّب منها نورها القمر

طالعةً: نصب على الحال.

يقول: الشمس تأخذ من نورك، كما أن القمر يأخذ من نور الشمس. أي أنك للشمس شمس، كالشمس للقمر.

وقال أيضاً يمدحه ويذكر مجيء الرسول من عند ملك الروم، ودخلوه عليه، في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة.

دروعٌ لملك الرّوم هذي الرّسائل ... يردّ بها عن نفسه ويشاغل

هذي الرسائل: مبتدأ، ودروع: خبره.

يقول: هذه الرسائل تقوم للملك مقام الدروع، يحفظ بها نفسه، ويرد الموت عنه، ويشاغلك عن قتاله، ويدفعك عن قصده، ريثما يرجع رسوله إليه.

هي الزّرد الضّافي عليه ولفظها ... عليك ثناءٌ سابغٌ وفضائل

الزرد: حلق الدروع، والضافي: السابغ التام.

يقول: هذه الرسائل دروع سابغة، يلبسها ملك الروم؛ يدفع بها عن نفسه. ولفظها ثناء عليك وفضائل لك، فكأنها دروع له من حيث الباطن، وثناء لك من حيث الظاهر.

وأنّى اهتدى هذا الرّسول بأرضه ... وما سكنت مذ سرت فيها القساطل

أنى: بمعنى كيف وأين، والقساطل: هو الغبار. والهاء في بأرضه للرسول وفي فيها لأرضه.

يقول: كيف اهتدى هذا الرسول في طرقه وهي مظلمة؟! بغبار الخيل وقتام الحرب، وما سكن بعد ذلك الغبار!

ومن أيّ ماءٍ كان يسقى جياده ... ولم تصف من مزج الدّماء المناهل؟!

المنهل: موضع الشرب من الوادي، وأصله النهل.

يقول: من أي ماء كان يسقى خيله، وكل ماء كان ممزوجاً بدما القتلى.

أتاك يكاد الرّأس يجحد عنقه ... وتنقدّ تحت الذّعر منه المفاصل

يقول: أتاك هذا الرسول، وقد امتلأ قلبه ذعراً، مما شاهد من إيقاعك بأصحابه، حتى يكاد رأسه يجحد عنقه: أي يفارقه، وتنقد مفاصله وتتقطع، من عظم خوفه منك؛ مما شاهده وتحقق من عاداتك في قتلهم.

يقوّم تقويم السّماطين مشيه ... إليك إذا ما عوّجته الأفاكل

السماطان: صفان من الرجال يمتدان بين يدي السلطان. والتقويم: رفع لأنه فاعل يقوم ومفعوله: مشيه، والأفاكل: جمع الأفكل، وهو الرعدة.

يقول: كان يرتعد عند مشيه إليك، فقوم مشيته تقويم السماطين.

فقاسمك العينين منه ولحظه ... سميّك والخلّ الّذي لا يزايل

منه: أي من الرسول، وكذلك لحظه: أي لحظ الرسول. وفاعل قاسمك: سميك، والمراد به: السيف.

يقول: قسم سيفك عيني الرسول بينك وبينه، فكان ينظر بإحدى عينيه إليك، وبالأخرى إلى سيفك، لأنه كان يخاف منك أن تأمر بقتله، ومن سيفك أن تقتله به.

أو كان ينظر إليك ويرى كرم أخلاقك فيطمع في عفوك، وإذا نظر إلى سميك خاف بأسه، فقسم عينيه بينكما، ءيرجو ويخاف، وهذا السمى: هو خليلك الذي لا يزايلك.

وأبصر منك الرّزق والرّزق مطمعٌ ... وأبصر منه الموت والموت هائل

يقول: إذا نظر إليك طمع في الحياة؛ بما يشاهد من مخايل جودك، وأمل عفوك، وإذا نظر إلى سيفك عاين فيه الموت، لما هاله من هيبتك. والواو في قوله والرزق مطمع والموت هائل للحال.

وقيل: معناه رأى أرزاق كثير من الناس تحت يديك، فأطمعه ذلك في أن يكون من جملة القوم، ورأى حتف كثير منهم بسيفك، فهاله ذلك.

وهذا البيت يدل على المعنى الثاني الذي ذكرناه في البيت الذي قبله.

وقبّل كمّاً قبّل الأرض قبله ... وكلّ كميٍّ واقفٌ متضائل

المتضائل: المخفي شخصه من الجبن والفزع، وقيل: هو المنقبض. والواو في قوله: وكل كمي للحال.

يقول: لما وصل الرسول إليك قبل أولاً الأرض بين يديك، ثم قبل كمك، والأبطال قيام بين يديك، قد تضاءلوا هيبة لك، وأخفوا أنفسهم إجلالاً لك.

وأسعد مشتاقٍ وأظفر طالبٍ ... همامٌ إلى تقبيل كمّك واصل

أسعد: مبتدأ. وأظفر: عطف عليه، وهمام: خبره.

يقول: ملك وصل إلى تقبيل كمك هو أسعد مشتاق وأظفر طالب لحاجة، ولا مزيد على ما ناله من الشرف.

مكانٌ تمنّاه الشّفاه ودونه ... صدور المذاكي والرّماح الذّوابل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015