معجز احمد (صفحة 312)

تركت السّرى خلفي لمن قلّ ماله ... وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا

يقول: أغنيتني بعطاياك، حتى قعدت عن السرى طلباً للغنى، وتركت السرى لمن هو قليل المال، وكثر لي الذهب حتى أنعلت به خيلي. وهذا كما قيل في المثل: من كثر ذهبه طلي به استه وقيل: إن سيف الدولة كان وهب له فرساً منعلاً بالذهب فذكره.

وقيّدت نفسي في ذراك محبّةً ... ومن وجد الإحسان قيداً تقيّداً

محبةً: نصب لأنه مفعول له.

يقول: أحسنت إلي، فأقمت عندك، وصار إحسانك لي قيداً يمنعني عن الأسفار.

إذا سأل الإنسان أيّامه الغنى ... وكنت على بعدٍ جعلنك موعدا

يقول: إذا طلب أحد من الأيام أن تعينه، وكنت بعيداً عنه. قالت له الأيام: إذا بلغت سيف الدولة استغنيت. وقوله: وكنت على بعد إشارة إلى أن هذا الوعد من الأيام إنما يكون لمن بعد عنك، فأما القريب فقد أغنيته فلا يحتاج إلى السؤال.

وجرى ذكر ما بين العرب والأكراد من الفضل، فقال سيف الدولة ما تقول وتحكم في هذا يا أبا الطيب؟ فقال:

إن كنت عن خير الأنام سائلاً

فخيرهم أكثرهم فضائلا

يقول: إن كنت تسألني عن خير الناس، فإن خيرهم من كانت فضائله أكثر، ثم بين من بعد. وفضائلا نصب على التمييز.

من أنت منهم يا همام وائلا

الطّاعنين في الوغى أوائلا

لم يصرف وائل لأنه اسم القبيلة، فهي معرفة مؤنثة؛ والطاعنين، وما بعده خبر، لأنه صفة لوائل وهي في موضع جر. وقيل: نصب على المدح.

يقول: خير الناس العرب الذين أنت منهم يا سيد وائل، وهم الذين يطعنون في الحرب أوائل الخيل في المعركة، فهم الشجعان لأنه يسبق إلى الطعان إلا الشجاع. وقيل: أراد بالأوائل. الوجوه والصدور، أي أنهم يطعنون وجوه الأعداء وصدورهم، فيكون نصباً على المفعولية.

وقيل: معناه أنهم يطعنون الأبطال أولا. أي يتقدمون إلى الأقران. ونصبه حينئذ على الحال.

والعاذلين في النّدى العواذلا

قد فضّلوا بفضلك القبائلا

العاذلين: عطف على الطاعنين.

يقول: إذا عذلهم العواذل على السخاء عذلوهن على عذلهن، ثم بين أن قبيلته قد فضلوا سائر القبائل بسبب فضله ومآثره.

وجلس سيف الدولة لرسول ملك الروم في صفر سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة فحضر أبو الطيب فوجد دونه زحمة شديدة، فثقل عليه الدخول فاستبطأه سيف الدولة فقال ارتجالاً:

ظلمٌ لذا اليوم وصفٌ قبل رؤيته ... لا يصدق الوصف حتّى يصدق النّظر

ظلم نكرة مفيدة، والوصف: خبره.

يقول: إن وصفت هذا اليوم قبل مشاهدة الحال فقد ظلمته، ولم أقدر على وصفه على الحقيقة إلا بعد المشاهدة، وإنما قال ذلك: تعظيماً لليوم، وأنه لا يحيط به العيان.

تزاحم الجيش حتّى لم يجد سبباً ... إلى بساطك لي سمعٌ ولا بصر

أي ازدحم الجيش عليك، حتى لم يبنك بصري من كثرة الناس في بساطك، وكثرت الأصوات حتى لم أسمع كلامك.

فكنت أشهد مختصٍّ وأغيبه ... معايناً، وعياني كلّه خبر

المعنى: كنت حاضراً، وكأني كنت غائباً؛ للازدحام، فلم يمكنني مشاهدة الحال، وكتب معايناً، وكان عياني خبراً؛ لشدة الزحمة وكثرة الناس.

اليوم يرفع ملك الرّوح ناظره ... لأنّ عفوك عنه عنده ظفر

يقول: إذا أجبته إلى الصلح أمن وزال منه الخوف، فيرفع طرفه؛ لأن عفوك عنه يقوم له مقام الظفر في هذه المرة.

وإن أجبت بشيءٍ عن رسالته ... فما يزال على الأملاك يفتخر

يقول: إن كتبت إليه جواب كتابه، افتخر بذلك على ملوك زمانه، وتشرف به على جميع أقرانه.

قد استراحت إلى وقتٍ رقابهم ... من السّيوف وباقي النّاس ينتظر

يقول: استراحت بهذا الصلح رقاب الروم عن السيوف، وانتظر سيوفك باقي الناس من الأعداء؛ لأنهم كانوا آمنين ما دمت مشتغلاً بغزو الروم، فالآن يخافونك أن تقاتلهم.

وقد تبدّلها بالقوم غيرهم ... لكي تجمّ رءوس القوم والقصر

الهاء في تبدلها للسيوف، والقوم. هم الروم. وغيرهم: نصب بتبدلها.

يقول: تبدل سيوفك وتنقلها من رقاب الروم إلى غيرهم، لتستريح رقابهم من ضرب السيوف، وهذا عادتك إذا أدمت القتل في قوم وأقللتهم تقلب سيوفك إلى قوم آخرين لتريحهم، فإذا كثروا واجتمعوا عاودتهم القتل وأبدتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015