معجز احمد (صفحة 311)

وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحرّ الّذي يحفظ اليدا؟!

يقول: إذا قدرت على حر فعفوت عنه، فكأنك قتلته؛ لأنه لا يقدر بعد ذلك على محاربتك، حياءً من إحسانك إليه؛ ولكن أين ذلك الحر الذي يحفظ النعمة ويشكرها؟! وقوله: ومن لك أي من يطلب لك الحر الذي يحفظ اليد.

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا

يقول: إذا أكرمت الكريم وأحسنت إليه، فقد ملكته بإحسانك، وصار عبدك، وإذا أكرمت اللئيم كفر نعمتك، ولم يشكر إحسانك! وظن أنك أكرمته خوفاً منه، فتمرد عند الإحسان للؤم طبعه.

ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا ... مضرٌّ، كوضع السّيف في موضع النّدا

يقول: الإحسان إلى من يستحق السيف، مثل الإساءة إلى من يستحق الإحسان، في أن كل واحد منهما يقدح بالعلا ويضر بالملك وهذه الأبيات تعريض بالخليفة.

يقول: إذعانك له مع قدرتك عليه، حكم موضوع في غير موضعه، لأنه لا يعرف حق ذلك، ويعد ذلك يداً عليه. ومثله لآخر:

من لم يكن للوصال أهلاً ... فكلّ إحسانه ذنوب

ولكن تفوق النّاس رأياً وحكمةً ... كما فقتهم حالاً ونفساً ومحتدا

يقول: أنت أصوب الناس رأياً، وألطفهم حكمةً، كما أنك أحسنهم حالاً، وأشرفهم نفسا، وأكرمهم أصلاً.

ومعناه: أنك تفعل ما هو في الظاهر وضع الشيء في غير موضعه، ولكن لا اعتراض عليك؛ لأن رأيك أصوب الآراء، فلعلك رأيت فيه ما خفي على غيرك.

وقيل: إن معناه وضع الندى في موضع السيف يضر بالعلا، ولكنك لا تفعل شيئاً من ذلك، فلا تضع الندى إلا في موضعه، وكذلك السيف، لأن رأيك أصوب الآراء.

يدقّ على الأفكار ما أنت فاعلٌ ... فيترك ما يخفي ويؤخذ ما بدا

يقول: إن ما تفعله من المكارم والعجائب لا تحيط به أفكار الشعراء، فيذكرون ما ظهر لهم، ويتركون ما خفى عيهم.

أزل حسد الحسّاد عنّي بكبتهم ... فأنت الّذي صيّرتهم لي حسّدا

يقول: أزل عني حسد الحساد، بأن تكبتهم وتذلهم، بالازدياد في الإحسان إلي والرفع من منزلتي لديك، فإنك أنت الذي جعلتهم حساداً لي، إذ أعطيتني وقربت منزلتي عندك، حتى حسدوني على ذلك.

إذا شدّ زندي حسن رأيك في يدي ... ضربت بنصلٍ يقطع الهام مغمدا

يقول: إذا قربتني منك، وأعنتني بحسن رأيك، فلا أبالي بحسد الحساد، بل أقتلهم بأهون سعي، فعبر عن ذلك بالمغمد: الذي لا يعمل.

وما أنا إلاّ سمهريٌّ حملته ... فزيّن معروضاً وراع مسدّدا

المسدد: المشرع.

يقول: إنما أنا جمال مجلسك، وزين حضرتك، وأنا لك بمنزلة الرمح، تحمله يزينك، ويردع أعداءك في حربك، كذلك أنا أنشر مكارمك وأزين مجلسك وإذا حملتني إلى القتال قاتلت أعداءك.

وما الدّهر إلاّ من رواة قلائدي ... إذا قلت شعراً أصبح الدّهر منشدا

أراد بالقلائد: القصائد، وقد رويت أيضاً.

يقول: إن الدهر من جملة رواة قصائدي، فإذا قلت شعراً سار في الآفاق وبقى على الأيام، فصار كأن الدهر يرويه وينشده. وقيل: أراد به أهل الدهر. أي الناس كلهم يروون شعري وينشدونه.

فسار به من لا يسير مشمّراً ... وغنّى به من لا يغنّي مغرّدا

يقول: يسير بشعري من ليس عادته السير، يهديه إلى غيره، وكذلك يغني به تطريباً وتغريداً من لم يكن شأنه الغناء، لحسنه وموافقته للطباع، فيحمل كل سامع على الاستماع، ويحمل كل أحد على الإنشاد.

أجزني إذا أنشدت مدحاً فإنّما ... بشعري أتاك المادحون مردّدا

مردداً: منصوب على الحال من قوله: بشعري.

يقول: إذا أنشدك الشاعرون المدائح فأعطني الجائزة، فإني أحق منهم بها، لأنهم أخذوا المعاني من شعري ورددوها فيك، فكأنهم أتوك بشعري ونسبوه إلى أنفسهم.

وروى أن شاعراً مدح الصاحب بقصيدة سرق فيها أبياتاً من شعره، فوقع على ظهرها هذه بضاعتنا ردت إلينا.

ودع كلّ صوتٍ بعد صوتي فإنّني ... أنا الصّائح المحكيّ والآخر الصّدي

وروى: أنا الشاعر المحكي بدل الصائح.

يقول: لا تلتفت إلى الشعراء غيري؛ لأنهم يسرقون أشعارهم من أشعاري، فأنا الصائح الذي يحكي صوته، وهم كالصدى.

وقيل: معناه لا تسمع إلى قول غير قولي، فإن ما عداه هذيان، كالصدى من الصياح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015