معجز احمد (صفحة 305)

مجلّحةً لها أرض الأعادي ... وللسّمر المناحر والجنوب

مجلحةً: مصممة جادة في شأنها، ونصب على الحال. والمناحر: موضع النحر، والجنوب: جمع الجنب، وأراد به: جنوب الأعادي ونحورهم.

يقول: ليس بك إلا ألم حبك أن ترى خيلك مجلحة محدة في الحروب، وقد ملكت أرض الأعادي، وملكت الرماح نحور الأعادي وجسومها.

وقيل أراد: نحور الخيل وجنوبها، يعني: أنها تتلقى الرماح بنحورها، وجنوبها، ولا تولي عنها.

فقرّطها الأعنّة راجعاتٍ ... فإنّ بعيد ما طلبت قريب

تقريط الأعنة: هو أن يرخي الفارس عنان الفرس، حتى يمس أذنه، فيصير بمنزلة القرط له. وقيل: هو طرح اللجاح في رأس الفرس.

يقول: إذا كان مرضك هذا، فشفاؤك في يدك، فارجع بخيلك إلى أرض الروم، وارخ لها الأعنة، حتى تبلغ مرادك، ويشفيك من ألمك، فإن ما طلبته هذه الخيل، وإن كان بعيداً، فهو عليها قريب.

إذا داءٌ هفا بقراط عنه ... فلم يعرف لصاحبه ضريب

هفا: أي غفل وزل. ولم يعرف: أي ليس يوجد، وأقام لم مقام ليس والضريب: المثل والنظير، فالهاء في لصاحبه للداء.

والبيت يفسر على وجوه.

أحدها: أن بقراط قد ذكر جميع الأدواء، ولم يذكر فيها حب الحروب، ولم يعلم بقراط أحداً، يكون فقد الحرب مرضاً له، فمن أصابه هذا الداء الذي هفا عنه بقراط، لم يكن له في الناس نظير، فكأنه يقول: ليس لك نظير في هذه الهمة، فإنا ما سمعنا بمن يمرضه حب الحرب، وتؤلمه الراحة والدعة. وجواب إذا قوله: لم يعرف.

والثاني: أنه جعله بمنزلة بقراط. فيقول: أنت مع علمك وكونك في مثل علم بقراط، عجزت عن دفع هذا الداء عنك، وكل داء هفا بقراط عنه، فإن صاحب ذلك الداء ليس له نظير، إذ هو خارج عن الطبائع البشرية؛ لأن بقراط لا يشكل عليه طبايع البشر، فلما كنت بقراط فعجزت عن مداواة هذا الداء، علمنا أنك تفارق جميع الناس، ولا يشبهك أحد منهم، وجواب إذا أيضاً فلم يعرف.

والثالث: أن المراد بالداء: الحروب ونيوب الدهر، وهو متعلق بقوله: فإن بعيد ما طلبت قريب إذا داء هفا بقراط عنه، فلم يوجد عليل، به تلك العلة، ففي تلك الحال بعيد ما تطلبه قريب الغرض به.

يعني: أنه إذا اختل أمر الثغور كان عود خيلك إليها قريباً، فتكون أنت مداوياً لها. والفاء على هذا تكون عاطفة لجملة على جملة، وهذا كقول ليلى الأخيلية:

إذا هبط الحجّاج أرضاً مريضةً ... تتبّع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الدّاء العضاء الّذي بها ... غلامٌ إذا هزّ القناة سقاها

بسيف الدّولة الوضّاء تمسى ... جفوني تحت شمسٍ ما تغيب

الوضاء: مبالغة الوضيء.

يقول: إذا أبصرته أبصرت شمساً لا تغيب، كما تغيب الشمس، وقوله: جفوني تحت شمس: أن ناظرة إلى وجهه.

فأغزو من غزا، وبه اقتداري ... وأرمى من رمى وبه أصيب

يقول: إذا غزا سيف الدولة غزواً غزوته معه، ولكن اقتداري به، وقوتي ونكاتي في غزوه بتأييده.

وقيل: معناه أني لا أغزوهم إلا بنفقته وخيله وسلاحه الذي وهب لي، فكأن اقتداري بعطيته، وإذا رميت الاعداء أصبتهم بدولته.

وللحسّاد عذرٌ أن يشحّوا ... على نظري إليه وأن يذوبوا

يقول: إن حسدوني على نظري إليه، ونافسوني فيه، وذابوا كمداً وحزناً، بمنزلتي عنده، فلهم في ذلك عذر.

فإنّي قد وصلت إلى مكانٍ ... عليه تحسد الحدق القلوب

يقول: من يحسدني على منزلتي عنده، ونظري إليه فهو معذور؛ لأني قد جعلت في مكان يحسد قلبي فيه عيني، لما تدركه من اللذة بالنظر إليه، ورؤيتها لمكارمه ومحاسنه، والقلب لا يصل إليها مباشرة، وإنما يصل إليها بالعلم. وهو قريب من قول الآخر:

إذا زرت حفصاً تستضيء برأيه ... فقلبك مغبونٌ وطرفك رابح

وروى: تستضيء بشمسه.

وقال سيف الدولة، وعنده رسول ملك الروم: الساعة يسر الرسول بهذه العلة، فأجابه أبو الطيب:

فديت، بماذا يسرّ الرّسول؟ ... وأنت الصّحيح بذا لا العليل

يقول: جعلنا الله تعالى فداءك، بأي شيء يسر الرسول؟ وأنت الصحيح بهذا الدمل لا المريض؛ لأن بهذا يزول أدواء كثيرة، وهذا علامة الصحة.

عواقب هذا تسوء العدوّ ... وتثبت فيك وهذا يزول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015