بأدنى ابتسامٍ منك تحيا القرائح ... وتقوى من الجسم الضّعيف الجوارح
القرائح: جمع القريحة، وهي خالص طبيعة الإنسان، وأصلها من قريحة البئر، وهو أول ما يخرج من مائها إذا حفرت.
يقول: إذا ابتسمت ورضيت عنا تحيي ما مات من خواطرنا وتقوي ما ضعف من جوارحنا.
ومن ذا الّذي يقضي حقوقك كلّها؟ ... ومن ذا الّذي يرضى سوى من تسامح؟
يقول: لا يقدر واحد على قضاء حقوقك، وعلى إرضائك في قضائها، إلا أن تسامحه، ولا تكلفه فوق طاقته.
وقد تقبل العذر الخفيّ تكرّماً ... فما بال عذري واقفاً وهو واضح؟
تكرماً نصب على المفعول، وواقفاً على الحال، ومعناه: غير مقبول.
يقول: أنت تقبل العذر الخفي لكرمك، فكيف صار عذري غي مقبول في تأخيري مدحك مع وضوحه وظهوره؟!
وإنّ محالاً ... إذبك العيش أن أرى وجسمك معتلّ وجسمي صالح
يقول: إن كان قوام عيشي بك فمن المحال سلامة جسمي مع اعتلال جسمك، بل الواجب مشاركتنا. إياك في لاعتلال.
وما كان ترك الشّعر إلاّ لأنّه ... تقصّر عن وصف الأمير المدائح
جعل تقصير المدائح عن وصفه عذراً في تأخير المدح، فقال: لم أترك مدحك تغافلاً عن قضاء حقك، ولكن رأيت المدائح قاصرة عن وصفك، غير ناهضة بآداء شكرك.
وقال وقد تشكى سيف الدولة من دمل في شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة.
أيدري ما رأيك من يريب؟ ... وهل ترقى إلى الفلك الخطوب!؟
فاعل يدري: ما أريك، وهو الدمل ومن في موضع نصب؛ لأنه المفعول، وهو سيف الدولة على جهة التعجب والتعظيم للأمر.
يقول: أيدري هذا الدمل من يريب؟ وعلى من أقدم؟ أي لو علم علو مكانك لما تجاسر على الحلول بك، فإنك الفلك في العلو والارتفاع عن الآفات، والخطوب لا ترقى إلى الفلك، فكيف رقى إليك الدمل؟!
وجسمك فوق همّة كلّ داءٍ ... فقرب أقلّها منه عجيب
الهاء في أقلها للأدواء التي تدل عليه قوله: كل داء إذ هو في معنى الجمع.
يقول: إن جسمك أعلى محلاً من أن يصيبه أعظم الأدواء، وأن تبلغ همته إليه، فكيف وصل إليك الدمل الذي هو أقل الأدواء وأحقرها؟
يجشّمك الزّمان هوىً وحبّاً ... وقد يؤذي من المقة الحبيب
يقول: إن الزمان يحبك حباً شديداً فآلمك بهذا القدر من الألم؛ لأن الحبيب يؤذيه الحبيب إذا غلبه الحب، تذللاً. والمقة: الحب، وقد روى: يجمشك والتجميش: مداعبة الحبيب والممازحة معه.
يقول: إن الزمان يداعبك، ويتعرض لك؛ لحبه إياك، وهذا الدمل الذي أصابك تجميش منه، فآذاك وآلمك، فإن المحب ربما آذى حبيبه بالعض وغيره، محبة منه. وقوله هوى وحباً نصب على المفعول له.
وكيف تعلّك الدّنيا بشيءٍ ... وأنت بعلّة الدّنيا طبيب؟
يقول: كيف أصابتك الدنيا بعلة وأنت طبيبها؟ الذي تداوي علتها، وتذهب سقمها، وتصلحها من الفساد.
وكيف تنوبك الشّكوى بداءٍ ... وأنت المستغاث لما ينوب؟
تنوبك أي تصيبك والشكوى: المرض.
يقول: كيف تصيبك ما تشكو منه؟ ومن نابته الشكوى استغاث بك فأجرته.
مللت مقام يومٍ ليس فيه ... طعانٌ صادقٌ ودمٌ صبيب
المقام: الإقامة، والصبيب: المصبوب.
يقول: قد تعودت الحرب، وتركت الإقامة، فمتى فقدت ذلك يوماً واحداً ألمت من ذلك، ومللت من طول الإقامة، فألمك هو الجلوس في الدعة، وترك الحرب، لا من الدمل، إذ هو أقل من أن تبالي به. وقوله: طعان صادق يعني أنه لا يخطئ بل يصيب.
وأنت الملك تمرضه الحشايا ... لهمّته، وتشفيه الحروب
الحشايا: جمع الحشية.
يقول: أنت ملك عظيم الهمة لا تلتذ بالتنعم والراحة، فالنوم على الحشايا يمرضك، والحروب تشفيك وتوافقك. إذ ترك العادة يمرض الإنسان.
وما بك غير حبّك أن تراها ... وعثيرها لأرجلها جنيب
العثير: الغبار، والضمير في تراها وعثيرها وأرجلها للخيل، فأضمرها وإن لم يجر لها ذكر: للعلم بها. إذ الحروب لا تعرى من الخيل. والجنيب: التابع كالجنيبة التي تقاد إلى جنب الفرس.
يقول: هذا الألم الذي ألم بك، ليس هو من المرض، ولكنه لشوقك إلى أن ترى الخيل، وقد أثارت الغبار في الحروب، وصار غبارها تابعاً لأرجلها، كما يتبع الفرس قائده.