يقول: إن أبصرت الأيام صولته هذه على الروم، فقد علمها أيضاً قبل هذه الصولة كيف تصول؟ يعني أن الأيام نظرت إلى صولته بالأعداء فتعلمت منه كيف تقصد أهلها بصروفها، وقيل. أراد بالأيام: أهلها.
فدتك ملوكٌ لم تسمّ مواضياً ... فإنّك ماضي الشّفرتين صقيل
يقول: فداك كل ملك لم يسم باسمك، وليس له مضاء مثل مضائك، فإنك ماض فيما بينهم، فأنت كالسيف وهم كالبوقات والطبول.
إذا كان بعض النّاس سيفاً لدولةٍ ... ففي النّاس بوقاتٌ لها وطبول
يقول: أنت كالسيف وغيرك كالطبول والبوقات؛ لأنه إذا جاز أن يكون سيفاً للدولة؛ جاز أن يكون لها طبول، لأن غيرك من الملوك ليس لهم مضاء في الأمور، وليس عنده إلا القول الخالي من الفغل، كالبوقات.
أنا السّابق الهادي إلى ما أقوله ... إذ القول قبل القائلين مقول
يقول: أنا السابق إلى ما أقوله من الشعر، والمبدع لمعانيه، وغيري من الشعراء يسرق ما يقوله ممن تقدمه من الشعراء.
وما لكلام النّاس فيما يريبني ... أصولٌ، ولا للقائليه أصول
يقول: كلام الناس في غيبتي، والطعن فيّ لا أصل له، غذ لا عيب فيّ، وكذلك لا أصل لمن يعيبني ويطعن عليّ وأصلة من الحديث: الساعي لغير رشده.
أعادي على ما يوجب الحبّ للفتى ... وأهدأ والأفكار فيّ تجول
حسدوني لفضلي وعادوني، وكان يجب أن يحبوني؛ لأن الفضل يوجب المحبة، وأهدأ: أي أسكن، ولا أحسد أحداً، بل أنام خالي البال، وأفكار الحساد تجول فيّ. ومثله للبحتري:
إذا محاسني اللاّتي أدلّ بها ... كانت ذنوبي، فقل لي: كيف أعتذر؟
سوى وجع الحسّاد فإنّه ... إذا حلّ في قلبٍ فليس يحول
يقول: داو كل داء من الأمراض والفقر وغيرهما، فإنه يزول بمداواتك، ولا تشتغل أنت بمداواة وجع الحساد؛ لأنه لا يزول أبداً.
ولا تطمعن من حاسدٍ في مودّةٍ ... وإن كنت تبديها له وتنيل
يقول: لا تطمع في مودة حاسدك، فإنك وإن كنت تظهر له المودة، وتعطيه المحبة فإن ما في قلبه من الحسد يمنعه من مودته لك.
وإنّا لنلقي الحادثات بأنفسٍ ... كثير الرّزايا عندهنّ قليل
يقول: إن لنا نفوساً كريمة، وقلوباً صابرة على حوادث الدهر، وكثرة الرزايا والشدائد عندها قليل، لكثرتها وصبرها.
يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراضٌ لنا وعقول
الأعراض: جمع العرض، وهو موضع الحمد والذم.
يقول: إذا سلمت الأعراض والعقول، فلا حظ للأجسام عندنا، بل يهون علينا ما يحدث فيها من الجراحات والأسقام. ومثله:
إذا أبقت الدّنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
فتيهاً وفخراً تغلب ابنة وائل ... فأنت لخير الفاخرين قبيل
يقول: يا تغلب ابنة وائل تيهي تيهاً، وافخري فخراً، فإنك قبيلة سيف الدولة، وهو خير الفاخرين، وأنت تغلب. ذهاباً بها إلى القبيلة أو العشيرة، ونصب تيهاً وفخراً على المصدر أي تيهي تيهاً، وافخري فخراً.
يغمّ عليّاً أن يموت عدوّه ... إذا لم تغله بالأسنة غول
إذا لم تغله: إذا لم تهلكه. والغول: الداهية. وقيل: المنية.
يقول: إن سيف الدولة إذا مات عدو يغتم بموته، وإنما يريد أن يقتله.
شريك المنايا، والنّفوس غنيمةٌ ... فكل مماتٍ لم يمته غلول
الغلول: الخيانة في الغنيمة.
يقول: إن سيف الدولة شارك المنية في الإغارة على نفوس الأعداء، والنفوس غنيمة لها يشتركان فيها، فإذا استبدت المنية في نفس واحد لم يقتلها هو فقد خانته وغلت تلك النفس منه.
فإن تكن الدّولات قسماً فإنّها ... لمن ورد الموت الزّؤام تدول
الزؤام: السريع. وتدول أي صارت له، ورجعت إليه.
يقول: إن كانت الدولة مقسومة بقدر السعي فالأولى بها من يقتحم على الأهوال ويباشر القتال وأسباب الموت. فأطلق لفظ الموت على أسبابه.
لمن هوّن الدّنيا على النّفس ساعةً ... وللبيض في هام الكماة صليل
لمن هون: بدل من قوله: لمن ورد.
يقول: إن الدولة لمن هون الدنيا على نفسه ساعة، في موضع الضرب والطعن، وضرب على شدائدها في تلك الحال؛ لأنه متى صبر فاز بالظفر والغلبة.
وتأخر مدحه عنه فعتب عليه، فقال يعتذر: