معجز احمد (صفحة 300)

المعنى: إذا هم بأمر أمضاه بجيش أرعن، وبخيل قد أنحلها اتصال السير بالسرى، فإذا عرست في بلدة من بلاد العدو، رحلت عنها ولم تقم إلى وقت القائلة.

فلمّا تجلّى من دلوك وصنجةٍ ... علت كلّ طودٍ رايةٌ ورعيل

تجلى: أسي بان عنها وفصل، وأصله الظهور، ودلوك وصنجة: موضعان من بلاد الأرمن، والطود: الجبل. والرعيل: قطعة من الخيل تتقدم الجيش.

يقول: لما انفصل عن هذين الموضعين وانتشرت خيله على رءوس الجبال، فكان على كل جبل راية وخيل.

على طرقٍ فيها على الطّرق رفقةٌ ... وفي ذكرها عند الأنيس خمول

الهاء في فيها للطرق. وقيل راجعة إلى كل طود وهو في معنى الجمع، ومعناه أنه سار إليهم بين الجبال، في الطرق المجهولة فكانت فيها رفعة على سائر الطرق؛ لأنها كانت على رءوس الجبال.

وقيل: معناه أنها كانت رفيعة القدر من حيث كانت موصلة إلى المطالب الجليلة، والمغانم الجزيلة. ثم قال: في ذكر هذه الطرق عند الناس خمول؛ لأنها غير مسلوكة ولا يهتدي إليها أحد، فطابق بين الرفعة والخمول.

فما شعروا حتّى رأوها مغيرةً ... قباحاً، وأمّا خلقها فجميل

فما شعروا: يعني الروم، أضمرهم لدلالة الحال، وتقدم العلم.

يقول: ما علم الروم بخيل سيف الدولة، حتى شاهدوها تغير عليهم، فكانت قباحاً في أعينهم؛ لسوء أفعالها بهم، وإن كانت جميلة الخلق حسنة المنظر. ومغيرة: نصب على الحال، وليس مفعولاً لرأوها: لأن الرؤية بمعنى المشاهدة لا تتعدى إلى مفعولين. وقباحاً: بدل من مغيرة ويجوز أن تكون حالاً ثانية، كقولك: جاء زيد راكباً مسرعاً. ويجوز أن تكون الرؤية من رؤية القلب فيكون المفعول الأول الهاء، ومغيرة حالاً. أي رأوها في حال غارتها قباحاً.

سحائب يمطرن الحديد عليهم ... وكلّ مكانٍ بالدّماء غسيل

سحائب: نصب بدلاً من قباح، يجوز فيها الرفع على إضمار المبتدأ: أي هذه الخيل سحائب.

يقول: هذه الخيل سحائب ولكن مطرها الحديد، ثم قال: وكل مكان حلت به مغسول بدماء الأعداء لكثرة القتله به، وإسالة الدماء فيه.

وأمسى السّبايا ينتحبن بعرقةٍ ... كأنّ جيوب الثّاكلات ذيول

ينتحبن: أي يرفعن أصواتهن بالبكاء. وعرقة: مدينة بالشام، وقيل: من الروم.

يقول: حصلت السبايا بعرقة، فأقمن بها يبكين على من قتل من أولادهن وأقاربهن، وقد شققن جيوبهن حتى صارت في السعة كالذيول.

وقيل: أراد بالسبايا الأولاد، وبالثاكلات: الأمهات في الروم: يعني لما سبى الأولاد، بكت أمهاتهن في الروم عليها.

وعادت فظنّوها بموزار قفّلاً ... وليس لها إلاّ الدّخول قفول

موزار: اسم بلد.

يقول: إن خيله أغارت عليهم، وحملت السبايا إلى عرقة، وعادت لتعبر من درب موزار، ثم عادت راجعة إلى بلادهم مرة أخرى، فلما رأوها بموزار ظنوها راجعة إلى بلاد الإسلام، ولم يعلموا أنها عادت لتدخل بلادهم مرة أخرى، فصار دخولها قفولا.

وكان سيف الدولة أراد بعد الإغارة أن يعبر من درب موزار، فوجد العدو هناك، قد أخد عليه الدرب، فرجع داخلاً إلى بلاد الروم، وتبعه العدو فعطف عليه وقتل كثيراُ من الأرمن. وهذا معنى قوله: وليس لها إلا الدّخول قفول.

فخاضت نجيع الجمع خوضاً كأنّه ... بكلّ نجيع لم تخضه كفيل

الضمير في خاضت: لخيل سيف الدولة. والهاء في كأنه للنجيع، وهو الدم.

يقول: إنها عادت إلى بلاد الروم، وقتلت الأبطال، وخاضت في دمائهم المصبوبة، فكأن هذه الوقعة ضمنت لها سفك كل دم بعدها؛ لأنها قتلت فؤاد الجيوش، فسهل بعد ذلك عليها مرامها، وصار من لم يقتل تحت قدرتها متى شاءت قتلته، وخاضت في دمه.

تسايرها النّيران في كل مسلكٍ ... به القوم صرعى والدّيار طلول

يقول: إن النيران تسايرها وترافقها في كل موضع تسلكه من بلاد الروم، لأنها كانت تنزل فيه، وتوقد النيران فيه، وهو خراب وأهله صرعى، ولم يبق لديارهم إلا الآثار.

وقيل: معناه أنها قتلت أهل كل منزل نزلته، وأحرقت مساكنهم.

وكرّت فمرّت في دماء ملطيةٍ ... ملطية أمّ للبنين ثكول

ملطية: مدينة من بلاد الروم.

يقول: إن الخيل كرت على أهل ملطية فخاضت في دمائها، فصارت ملطية مثل أم ثكلت أولادها.

وأضعفن ما خلّصنه من قباقبٍ ... فأضحى كأنّ الماء فيه عليل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015