ما خلصنه: أي خلصن من الماء، من بين القوائم. وروى: ما كلفنه أي الموضع الذي كلفت الخيل قطعه من هذا النهر. وقباقب: اسم نهر.
يقول: إن الخيل لما عبرت هذا النهر سكرته بقوائمها، وكسرت شدة جري الماء، وأضعفت قوته، فصار الماء يضعف جريه، كأنه عليل.
شبه جريه بين قوائمها بمشي العليل في فتور وضعف.
ورعن بنا قلب الفرات كأنّما ... تخرّ عليه بالرّجال سيول
ورعن بنا قلب الفرات: يعني أن الخيل خوفن بنا قلب الفرات. أي عبرته بنا الخيل، وخاضت دماءه.
وشبه انحدار الخيل فيه بتدافع السيل، وشبه الخيل بالسيول، والرجال بما تحمله السيول.
فيقول: كأنه مثل السيول تقع من موضع إلى موضع من الوادي.
يطارد فيه موجه كلّ سابحٍ ... سواءٌ عليه غمرةٌ ومسيل
الضمير في فيه وموجه للفرات. وفي عليه للسابح والغمرة معظم الماء، وأردا به ها هنا معظم الحرب. والمسيل: حيث يسيل الماء.
يقول: إن الخيل لما عبرته كان يدافعها موجه، فكأنه تطارده: أي تحاربه. وسواء على كل فرس منها خوض الماء، وغمرة الحرب، وكلاهما سهل عليها.
تراه كأنّ الماء مرّ بجسمه ... وأقبل رأسٌ وحده وتليل
تشبيه بديع؛ لأن التليل: العنق.
يقول: كأن الماء حمى جسده وأبان عن رأسه وعنقه. فهذا الفرس إذا سبح لم يظهر منه إلا رأسه وعنقه.
وفي بطن هنزيطٍ وسمنين للظّبي ... وصمّ القنا ممّن أبدن بديل
أبدن: أهلكن، والضمير للخيل، وللظّبي. وصم القنا، وهنزيط وسمنين: بلدان من الروم.
يقول: إن أصحاب السيوف والرماح قد أهلكوا أهل عرفة وملطية، ولم يصلوا إلى بطن هنزيط وسمنين، فكأن أولئك الهالكين بدل في هاتين البلدتين للسيوف والرماح ولأصحاب الخيول، يهلكونهم متى شاءوا، ويقتلونهم متى قفلوا.
طلعن عليهم طلعةً يعرفونها ... لها غررٌ ما تنقضي وحجول
طلعن: أي الخيل. عليهم: أي على أهل هنزيط وسمنين.
المعنى: أن خيل سيف الدولة لما فرغت من أهل ملطية، عطفت عليهم وطلعت على ديارهم، وهذه الطلعة معروفة مشهورة؛ لأنها لم تكن أول مرة، بل تقدم لها أخوات مشهورة كشهرة الغرر والحجول، في الخيل الغر المحجلة. والعرب تصف الشهرة بالغرة والحجول، كما قال الآخر:
كذبتم وبيت الله لا تقتلونه ... ولما يكن يومٌ أغرّ محجّل
وقوله: لها عزر مأخوذ من قول السموءل:
وأيّامنا مشهورةٌ في عدوّنا ... لها غررٌ معلومةٌ وحجول
فهو وإن وافقه في المعنى والوزن والقافية وبعض الألفاظ، إلا أن هذا لما كان من العام المنتشر لا يقال فيه: إنه مسروق.
تملّ الحصون الشّمّ طول نزالنا ... فتلقى إلينا أهلها وتزول
يقول: إن الحصون الطوال المرتفعة، ملت من طول منازلتنا إياها، فتلقى إلينا أهلها، وتزول الحصون عن أماكنها، حتى لا يبقى منها شيء.
وبتن بحصن الرّان رزحي من الوجى ... وكلّ عزيزٍ للأمير ذليل
رزحي: تعبة معيية، والواحد رازح، والوجى: وجع بحافر الفرس؛ من الحفا، وكثرة المشي.
وقيل: أراد به كثرة الضرب والطعن، من قولهم: وجأته بالسكين.
يقول: إن الخيل عادت إلى حصن الران، وقد تعبت وكلت بعد أن قتلت كل بطل، وأذلت كل عزيز، وموضعه نصب على الحال. أي بتن على هذه الحال.
وقيل: معناه أنها لم تصر كذلك للضعف، ولكنه كلفها من همته أصعبها فضعفت.
وفي كلّ نفس ما خلاه ملالةٌ ... وفي كلّ سيف ما خلاه فلول
الضمير في ما سواه وما خلاه للأمير.
يقول: كل أحد قد مل من طول الحرب، وكل سيف انثلم من كثرة الضرب، سوى سيف الدولة.
ودون سميساط المطامير والملا ... وأوديةٌ مجهولةٌ وهجول
سميساط: مدينة، والمطامير: الآبار، تحفر فلا تبلغ بها إلى الماء، والواحدة: مطمورة. والملا: الأرض الواسعة. والهجول: جمع هجل، وهو المطمئن من الأرض، وقيل: هو الأرض البعيدة الأطراف. يعني: بيننا وبينها هذه الطرق المجهولة، والأراضي الواسعة.
لبسن الدّجى فيها إلى أرض مرعشٍ ... وللرّوم خطبٌ في البلاد جليل
مرعش: مدينة والضمير في فيها للمطامير والأودية، وقيل: يرجع إلى سميساط.