يوماً: نصب عطفاً على قوله: لقيت بدرب القلة الفجر لقية ويوماً.
وجعل حسن اليوم الذي ظفر فيه الممدوح بالروم، كأنه علامة من محبوبته، وجعل الشمس كأنها رسولها، وذلك لسروره في هذا اليوم، وسروره بطلوع الشمس فيه.
وقيل: إنه إنما استحسن هذا اليوم، وطلوع الشمس فيه؛ لزوال الليل واستراحته بالنهار من السهر والحزن.
وقيل: معنى البيت أن الحسن في ذلك كان خفياً لشدة الحرب، وإظلام الجو باقتام، وأن الشمس كانت تبدو مرة وتختفي أخرى لتكاثف الغبار، فشبهه برسول يأتي من عند حبيبته، فهو إذا رأى رقيباً توارى، وإذا صادف خلوة بدا، وشبه حسن ذلك اليوم: وهو النصر والظفر بالاعداء في حقائقه - بعلامة تكون بين المحب وحبيبه، لا يعلمها أحد سوهما، وفيه إشارة إلى أن الحرب كانت قد اشتدت في ذلك، حتى خفيت علامة النصر، إلا على سيف الدولة، فإنه كان عالماً بالظفر، كما يعلم المحب العلامة التي بينه وبين حبيبته وهذا من لطائف أبي الطيب.
وما قبل سيف الدّولة اثّار عاشقٌ ... ولا طلبت عند الظّلام ذحول
اثار: افتعل من الثأر. أي أدرك ثأره، يقال: اثار وثار بمعنى. والذحول: جمع ذحل وهو الحقد في القلب. فذكر أن الليل صار قتيلاً، ثم قال: إن القاتل هو سيف الدولة.
وقال: لولا سيف الدولة لم يقدر عاشق على أخذ الثأر من الليل، وما أدرك عاشق ثاره قبل حصول سيف الدولة بدرب القلة، ولم يطلب أحد عند الليل ذحلاً وثأراً قبله وهذا ضد قوله في بدر:
حدقٌ يذمّ من القواتل غيرها ... بدر بن عمّار بن إسماعيلا
ولكنّه يأتي بكلّ غريبةٍ ... تروق، على استغرابها، وتهول
تروق: تعجب بحسنها، وتهول: تخوف.
يقول: إن قتله الليل وإدراك ثأره منه أمر عجيب! وشيء عجيب! لكن سيف الدولة لا يزال يأتي بكل فعل غريب! كل من رآه راقه حسنه، ويهول القلوب لعظمه، فليس هذا منه ببديع.
رمى الدّرب بالجرد الجياد إلى العدا ... وما علموا أنّ السّهام خيول
الدرب: ها هنا، موضع معروف من بلاد الروم. يقول: رمى درب الروم، كما يرمي لغرض بالسهام، ولم يعلم الروم أن الخيل في السرعة تقوم مقام السهام. شبه خيله بالسهام في إقدامها وسرعتها.
شوائل تشوال العقارب بالقنا ... لها مرحٌ من تحته وصهيل
الشوائل: جمع شائلة، وعداها إلى القنا بالباء. والتشوال: مصدر شول. والمرح: النشاط. والشوائل: نصب على الحال. وقوله: لها مرح إلى آخره نصب على الحال. والهاء في تحته للقنا، راجع إلى اللفظ.
يقول: رمى الدرب بالخيل رافعة رماحها، كما رفعت العقارب أذنابها، وكان لهذه الخيل مرح تحت القنا وصهيل، يعني بأن الركض لم يذهب مرحها. وهذا قول بشار:
والخيل شائلةٌ تشقّ غبارها ... كعقاربٍ قد رفعت أذنابها
غير أنه زاد عليه في التشبيه، فبشار شبه الخيل الرافعة لأذنابها بالعقارب، رافعة أذنابها، فالتشبيه واقع على وجه واحد، وهو أوقع التشبيه من وجهين: أحدهما: أنه جعل الخيل شائلة بالقنا، كما تشول العقارب بأذنابها.
والثاني: أنه شبه أطراف الرماح بأذناب العقارب، وأن لها من الطعن مثل ما للعقارب من اللسع، فأخذ معنى بشار، وضم إليه هذه الزيادة، فكان هو أولى به من بشار.
وما هي إلا خطرةٌ عرضت له ... بحرّان لبّتها قناً ونصول
وما هي: أي الغزاة. وحران: مدينة بالشام، والضمير في له للمدوح، وفي لبتها للخطرة، والتاء: للقنا، والنصول: للسيوف، وعرضت: أي ظهرت.
يقول: لم تكن هذه الغزاة عن تأهب واستعداد، ولكن خطر بقلبه وهو بحران أن يقصد بلاد الروم، فأجابته الرماح والسيوف، فسار إليهم غير محتفل.
همامٌ إذا ما همّ أمضى همومه ... بأرعن، وطء الموت فيه ثقيل
الهموم: بمعنى الهمم. والأرعن: الجيش العظيم.
يقول: هو عظيم الهمة إذا هم بشيء وعزم على أمر أمضاه. بجيش عظيم، كأنه لا يمر على ناحية إلا أنكى فيها وأكثر القتل فيها، وهو في معنى قوله: وطء الموت: وقعه، يعظم ويكثر من هذا الجيش، أو يشتد وطء هذا الجيش ويعز عليه.
وخيل براها الرّكض في كلّ بلدةٍ ... إذا عرّست فيها فليس تقيل
وخيل: عطف على أرعن. والتعريس: النزول آخر الليل.